YASA ترفع كفاءة محركها الكهربائي ليصبح أكثر كثافة في الطاقة

Photo of author

By Sihem Braiek

شركة YASA البريطانية، المعروفة بابتكاراتها في مجال المحركات الكهربائية عالية الأداء. أعلنت عن جيل جديد من محركاتها يتميّز بكثافة طاقة غير مسبوقة. التطوير الجديد يعكس سنوات من البحث في تقنيات التصميم المغناطيسي والتبريد المتقدّم، ويؤكد أن مستقبل السيارات الكهربائية لن يعتمد فقط على البطاريات، بل أيضاً على تطور المحركات نفسها.

منذ تأسيسها، كانت YASA تركز على نوع مختلف من المحركات يعرف باسم المحرك المحوري (Axial Flux Motor). وهو تصميم يختلف عن المحركات الأسطوانية التقليدية التي تستخدمها معظم الشركات. هذا النوع من المحركات يسمح بإنتاج قدر أكبر من العزم في مساحة أصغر ووزن أخف. مما يجعله مثالياً للسيارات الرياضية الفائقة أو الأنظمة الكهربائية التي تحتاج أداءً عالياً في حيز محدود.

الآن، تقول YASA إنها نجحت في رفع كثافة الطاقة بنسبة تتجاوز 30% مقارنة بالإصدار السابق. من دون زيادة الحجم أو الوزن، وهي قفزة كبيرة في عالم المحركات الكهربائية.

ما المقصود بكثافة الطاقة في المحركات؟

عندما نتحدث عن “كثافة الطاقة”، فنحن نقصد كمية الطاقة أو القدرة التي يمكن للمحرك إنتاجها مقارنة بوزنه أو حجمه. فكلما كانت الكثافة أعلى، كان المحرك أكثر كفاءة وأخف وزناً بالنسبة للأداء الذي يقدمه.

في المحركات الكهربائية، تحقيق هذه المعادلة ليس سهلاً. إذ يتطلب موازنة دقيقة بين القوة المغناطيسية، التبريد، وتصميم الملفات الداخلية. YASA تميّزت في هذا المجال بفضل هندسة المحرك المحوري التي تسمح بتمرير الطاقة المغناطيسية بطريقة أقصر وأكثر فاعلية، ما يقلل من فقدان الطاقة الناتج عن الحرارة والمقاومة.

في الجيل الجديد، أعادت الشركة تصميم المغانط والملفات الداخلية بطريقة تقلل الخسائر الحرارية وتزيد من كثافة الفيض المغناطيسي داخل الدوار، وهو ما أدى إلى هذه الزيادة اللافتة في الأداء دون المساس بالكفاءة.

 المحرك المحور ينوع مختلف من محركات شركة yasa

تقنية المحرك المحوري… سر تفوق YASA

بينما تعتمد معظم الشركات على المحركات الشعاعية التقليدية (Radial Flux) التي توضع فيها المغانط على شكل أسطواني، يأتي المحرك المحوري بتصميم مسطح يشبه الأقراص المتداخلة. هذا الشكل يتيح نقل العزم بشكل مباشر وأكثر كفاءة إلى المحور، مما يقلل من الحاجة لأجزاء ميكانيكية إضافية.

الميزة الكبرى لهذا النوع من المحركات هي قدرته على إنتاج عزم عالٍ جداً من أول لحظة دوران. وهو ما يعطي السيارات تسارعاً فوريّاً وسلساً. إضافة إلى ذلك، تصميمه المسطح يتيح للمهندسين وضعه في أماكن متعددة من السيارة، سواء داخل العجلات أو في مركز الهيكل، مما يمنح مرونة أكبر في التصميم.

شركة YASA كانت من أوائل من تبنّى هذا المفهوم على نطاق تجاري، واليوم تأخذ التقنية إلى مستوى جديد من النضج الصناعي، بعد أن تم اعتماد محركاتها في سيارات راقية مثل مرسيدس AMG EQS.

الابتكار الجديد: قوة أكبر في حجم أصغر

الإصدار الجديد من محركات YASA يستخدم مواد مغناطيسية محسّنة وتقنيات تبريد مباشرة داخل المكونات الأساسية.
التبريد المباشر يسمح بإزالة الحرارة من نقاط التوليد الأساسية بدلاً من الاكتفاء بتبريد السطح الخارجي، ما يرفع القدرة القصوى التي يمكن للمحرك إنتاجها لفترات طويلة دون فقدان الأداء.

كما تم تطوير تصميم الأسلاك النحاسية لتقليل الفاقد الكهربائي وتحسين نقل التيار. هذا الابتكار سمح برفع الكفاءة الإجمالية للمحرك بنسبة تقارب 5% مقارنة بالإصدار السابق، وهي نسبة تبدو صغيرة على الورق لكنها تحدث فرقاً كبيراً في السيارات الكهربائية التي تحتاج إلى كل واط ممكن من الطاقة.

تقول YASA إن هذا التطوير يعني أن المحرك الجديد قادر على إنتاج أكثر من 400 حصان كهربائي في حزمة صغيرة يمكن حملها بيد واحدة، وهو إنجاز هندسي نادر.

ما أهمية هذا التطور لصناعة السيارات الكهربائية؟

في السنوات الأخيرة، ركزت معظم الابتكارات على تحسين البطاريات: سعة أكبر، شحن أسرع، وعمر أطول. لكن المحركات الكهربائية نفسها لم تشهد التطور نفسه من حيث الكفاءة أو الكثافة.
وهنا يأتي دور YASA لتذكير السوق أن الأداء لا يعتمد فقط على البطارية، بل أيضاً على كيفية تحويل تلك الطاقة إلى حركة بأقل خسارة ممكنة.

محرك بكثافة طاقة عالية يعني سيارة أخف، وتسارع أسرع، واستهلاك أقل للطاقة. وهذا ينعكس مباشرة على مدى القيادة وكفاءة السيارة العامة. كما أن خفة المحرك تسمح بتوزيع أفضل للوزن داخل السيارة، ما يحسن الثبات والتحكم في المنعطفات.

بالنسبة للشركات المصنعة، مثل مرسيدس أو حتى الشركات الناشئة في مجال السيارات الكهربائية، فإن استخدام محركات YASA الجديدة يعني القدرة على تصميم سيارات أصغر وأخف دون التضحية بالقوة.

الشراكة مع مرسيدس ودور البحث المستقبلي

منذ أن استحوذت مرسيدس على YASA عام 2021، ركزت الشركتان على تطوير محركات مخصصة للجيل الجديد من السيارات الكهربائية الفاخرة.
هذه الشراكة سمحت لـ YASA بالعمل بموارد بحث وتطوير أوسع، مما سرّع عملية تحسين التصميم والمواد المستخدمة.

الهدف على المدى القريب هو دمج المحرك الجديد في مجموعة من الطرازات القادمة من قسم AMG الكهربائي. مع إمكانية استخدامه لاحقاً في سيارات أصغر مثل CLA وEQA الكهربائية.
لكن الأهم هو أن YASA تسعى لخفض تكلفة الإنتاج تدريجياً. ما قد يفتح الباب أمام استخدام محركاتها في سيارات كهربائية متوسطة السعر خلال السنوات القليلة المقبلة.

هل يمكن أن تكون هذه التقنية مستقبل المحركات؟

الجواب الأقرب: نعم، ولكن تدريجياً. فالمحرك المحوري يتمتع بمزايا كبيرة، لكنه يحتاج إلى خطوط إنتاج مخصصة وتقنيات دقيقة في التصنيع.
مع ذلك، ما تقدمه YASA اليوم يمثل خطوة واقعية نحو جعل هذه التقنية أكثر انتشاراً. ومع استمرار تحسين الكفاءة وتخفيض التكلفة، من المتوقع أن نرى هذه المحركات في مجموعة أوسع من السيارات، من الرياضية إلى التجارية.

الأمر المثير أن هذا التطور لا يقتصر على السيارات فقط.
فالمحركات عالية الكثافة مثل تلك التي طورتها YASA يمكن استخدامها في الطائرات الكهربائية والمركبات الطائرة الصغيرة، وحتى في تطبيقات صناعية تحتاج أداء عالياً ضمن حجم صغير.

تفوق هندسي لا يعتمد على القوة فقط

الملفت في استراتيجية YASA أنها لا تسعى لزيادة الأرقام فقط، بل لتحسين جودة الأداء في الواقع العملي. فالكفاءة العالية لا تعني فقط سرعة أكبر، بل أيضاً حرارة أقل، عمر أطول للمكونات، وصيانة أقل.
كما أن الشركة تستخدم تصميماً قابلاً لإعادة التدوير بالكامل تقريباً، ما يجعل محركاتها أكثر استدامة من حيث دورة الحياة.

كل هذه العوامل تجعل من YASA لاعباً رئيسياً في سوق المحركات الكهربائية المتطورة، خصوصاً مع توجه الشركات العالمية لتبني تقنيات مستدامة وصديقة للبيئة دون المساس بالأداء.

خلاصة

ما تفعله YASA اليوم هو إعادة تعريف حدود ما يمكن للمحركات الكهربائية تحقيقه.
بين تصميم محوري مبتكر، وكثافة طاقة غير مسبوقة، واستفادة ذكية من المواد والتبريد، تقدم الشركة نموذجاً عن كيف يمكن للهندسة الدقيقة أن تدفع الصناعة بأكملها للأمام.

المحرك الجديد ليس مجرد رقم على الورق، بل خطوة عملية نحو سيارات كهربائية أخف، أسرع، وأكثر كفاءة.
وفي عالم تتسابق فيه الشركات على زيادة مدى القيادة، تثبت YASA أن الحل لا يكمن فقط في البطاريات. بل في قلب السيارة نفسه: المحرك.

أضف تعليق