شهد سوق السيارات الكهربائية الصيني طفرة كبيرة خلال السنوات الماضية، وأصبح مركزًا عالميًا للابتكار في هذا القطاع. مع ذلك، ليست كل الشركات الناشئة نجحت في الصمود أمام المنافسة الشرسة. واحدة من هذه الشركات هي شركة Neta الصينية التابعة لشركة Hozon New Energy Automobile، والتي بدأت بشكل واعد لكنها واجهت تراجعًا ملحوظًا بسبب مشاكل مالية، تشغيلية، وتسويقية.
في هذا المقال، نستعرض مسار الشركة، الأسباب التي أدت إلى تراجعها، والدروس العملية لأي صانع سيارات كهربائية أو مستثمر يسعى لدخول هذا السوق.
البداية: الطموح الكبير في سوق متسارع
عند تأسيسها، استهدفت Neta الاستفادة من النمو السريع والسوق الواعدة للسيارات الكهربائية في الصين، مدفوعة بحوافز حكومية سخية وبرامج دعم تشجيع المستهلكين على الانتقال إلى النقل المستدام وتقليل الانبعاثات. ركّزت الشركة منذ البداية على تصميم سيارات كهربائية جذابة بصريًا ومجهزة بأحدث البطاريات ذات المدى الطويل، إضافة إلى تزويدها بميزات تقنية مبتكرة مثل نظم القيادة الذكية، وشاشات التحكم الرقمية، وأنظمة المساعدة على القيادة، ما جعلها تبرز بسرعة كبيرة بين الشركات الناشئة. كما سعت Neta لتقديم تجربة قيادة متكاملة للمستخدم، تجمع بين الأداء، الراحة، والتقنيات الحديثة، وهو ما ساعدها على جذب اهتمام المستثمرين والعملاء في وقت قياسي، ومنحها صورة شركة واعدة قادرة على المنافسة في السوق الصيني المتسارع.
في عام 2022، بلغت مبيعات الشركة نحو 152,000 سيارة، وهو رقم ممتاز بالنسبة لشركة ناشئة، مما منحها الثقة للتوسع محليًا وخارجيًا.بداية التراجع: مؤشرات الأزمة لشركة Neta الصينية
مع دخول عامي 2023 و2024، بدأت المؤشرات السلبية على شركة Neta تظهر بشكل واضح، مما أظهر التحديات الحقيقية التي تواجه الشركات الناشئة في سوق السيارات الكهربائية الصيني شديد التنافس.
- هبوط المبيعات بشكل ملحوظ: انخفضت مبيعات الشركة من نحو 152,000 سيارة في 2022 إلى أقل من 65,000 سيارة تقريبًا في 2024. هذا الانخفاض لم يكن مجرد رقم، بل انعكس على الإيرادات بشكل كبير، وزاد الضغط على الموارد المالية للشركة. تعود أسباب هذا التراجع إلى تشبع السوق المحلي ووجود عدد كبير من المنافسين الذين قدموا سيارات بأسعار أقل أو مزايا تقنية منافسة، بالإضافة إلى تغير تفضيلات العملاء الذين أصبحوا أكثر انتقادًا للجودة وخدمة ما بعد البيع.
- مشاكل السيولة وتراكم الديون: بسبب الانخفاض الحاد في المبيعات، بدأت الشركة تواجه صعوبة في تغطية تكاليف الإنتاج والديون المتراكمة. تأخر المدفوعات للموردين أدى إلى توقف بعض خطوط الإنتاج، وهو ما زاد من تعقيد الأمور، حيث لم تعد الشركة قادرة على تلبية الطلب أو الحفاظ على جداول التسليم المحددة للعملاء. هذا الوضع خلق حلقة مفرغة: انخفاض الإنتاج يقلل المبيعات، وانخفاض المبيعات يزيد من الضغط المالي.
- إجراءات قانونية وضغط المستثمرين: بدأت بعض الجهات الاستثمارية والموردين في تقديم شكاوى قانونية بسبب الديون المتراكمة، ما دفع الشركة إلى الدخول تحت إجراءات إعادة هيكلة جزئية. هذه الإجراءات تهدف إلى حماية الشركة مؤقتًا من الإفلاس الكامل، لكنها كشفت ضعف الإدارة المالية وعدم كفاية خطط التوسع السريع. كما سلطت الضوء على ضرورة وجود خطة مالية واضحة ومستدامة قبل أي خطوة توسعية أو استثمارية كبيرة، وهو درس مهم لأي شركة ناشئة في قطاع السيارات الكهربائية.
هذا المزيج من هبوط المبيعات، مشاكل السيولة، والضغط القانوني جعل الشركة تدخل مرحلة حرجة، وأظهر أن النجاح الأولي في السوق لا يضمن الاستدامة إذا لم يكن مدعومًا بإدارة مالية قوية واستراتيجية تشغيلية محكمة.
الأسباب الرئيسية لتراجع شركة Neta الصينية
تراجع شركة Neta لم يكن حادثًا عشوائيًا، بل نتيجة لتراكم عدة عوامل داخلية وخارجية أثرت على أدائها واستقرارها المالي. ويمكن تلخيص أهم هذه الأسباب فيما يلي:
1. المنافسة الشرسة
سوق السيارات الكهربائية الصيني مليء بالشركات الناشئة والعلامات الكبيرة التي تتنافس على نفس الشريحة من العملاء، مما أدى إلى حرب أسعار ضاغطة على هوامش الربح. الشركات الأخرى مثل Nio وXPeng وBYD ركزت على تقديم سيارات بأسعار تنافسية مع ميزات تقنية مشابهة أو محسنة، وهو ما قلّل قدرة Neta على المحافظة على قاعدة عملائها. كما أن المستهلك الصيني أصبح أكثر اطلاعًا ومطالبة بالتكنولوجيا والخدمات الإضافية، ما جعل المنافسة أكثر تعقيدًا وأثر مباشرة على مبيعات الشركة وإيراداتها.
2. التوسع السريع بلا خطة مالية متينة
سعت Neta للتوسع بسرعة كبيرة، سواء من خلال زيادة خطوط الإنتاج داخل الصين أو تصدير السيارات إلى أسواق جديدة، لكنها لم تكن مستعدة ماليًا لمواجهة هذه الخطوات. تراكمت الديون بسرعة، مما أثر على قدرتها على تمويل العمليات اليومية، وتسبب في ضغط هائل على سيولة الشركة. هذا التوسع السريع بدون خطة مالية محكمة جعل الشركة عرضة للمخاطر، حيث أي انخفاض مفاجئ في المبيعات كان كافيًا لإحداث أزمة مالية حادة.
3. مشاكل سلسلة التوريد لشركة Neta الصينية
تواجه Neta مشاكل متكررة في سلسلة التوريد، بما في ذلك تأخيرات الموردين أو نقص بعض المكونات الحيوية للسيارات. أحيانًا توقف الموردون عن التوريد بسبب تأخر المدفوعات أو مشاكل مالية متراكمة، ما أدى إلى إنتاج أقل انتظامًا وتأخير في تسليم السيارات للعملاء. هذه المشاكل أثرت أيضًا على جودة الخدمة ومنتجات الشركة، فالتأخير أو عدم توفر المكونات كان له أثر سلبي على سمعة العلامة التجارية.
4. تغير طلب المستهلكين
المستهلك الصيني أصبح أكثر انتقادًا للجودة وخدمة ما بعد البيع، وبدأ يقيّم تجربة السيارة بشكل شامل، وليس فقط على أساس السعر أو المظهر الخارجي. بينما ركز المنافسون على تقديم تجربة متكاملة للعميل تشمل الدعم الفني، صيانة أسرع، وتجربة رقمية سلسة، تأخرت Neta في مواكبة هذه المتطلبات. هذا التغير في سلوك المستهلكين قلل من مبيعات الشركة مقارنة بالشركات الأخرى، وجعلها أقل قدرة على التكيف مع سوق سريع التغير.
هذا التراكم من المنافسة الشرسة، التوسع السريع بلا خطة مالية، مشاكل سلسلة التوريد، وتغير طلب المستهلكين خلق وضعًا حرجًا للشركة، وأظهر أن النجاح الأولي لا يضمن استمرارية الأداء إذا لم يتم دعم النمو بإدارة مالية محكمة واستراتيجية تشغيلية واضحة.
الدروس المستفادة من تجربة شركة Neta الصينية

- النمو المستدام أهم من النمو السريع: البيع الكبير لا يضمن الاستمرار إذا لم يكن هناك نموذج مالي مستقر.
- إدارة سلسلة التوريد والموارد المالية حاسمة: أي خلل في الدفع للموردين يعرّض الشركة لأزمات فورية.
- المنافسة على السعر ليست الحل الوحيد: الجودة وخدمة العملاء أساس لاستدامة العلامة التجارية.
- التوسع الخارجي يحتاج خطة واضحة: فتح مصانع أو دخول أسواق جديدة يجب أن يعتمد على قدرة مالية وتشغيلية قوية.
الوضع الراهن والمستقبل
حتى منتصف 2025، دخلت Hozon/Neta في إجراءات إعادة هيكلة لجذب مستثمرين جدد، وتقليص حجم العمليات، وتحسين الكفاءة التشغيلية. العلامة تحاول إعادة بناء ثقة العملاء والموردين، لكنها تواجه تحديات كبيرة في ظل المنافسة العالية وتغير متطلبات السوق.
قصة شركة Neta الصينية تذكّرنا بأن سوق السيارات الكهربائية مليء بالفرص، لكنه مليء بالتحديات أيضًا. الشركات الناشئة تحتاج إلى التوازن بين الابتكار، الأداء المالي، وخدمة العملاء لضمان الاستدامة. النمو السريع بلا خطة مالية واضحة قد يقود الشركة إلى تراجع سريع، مهما كانت التكنولوجيا أو التصميم مميزين.