على مدى العقد الأخير، توسعت شركات السيارات الصينية مثل BYD، Xpeng، Chery، وWuling بشكل كبير على الصعيد الدولي. ومع تشبع السوق الصيني وتفاقم حرب الأسعار بين الشركات المحلية، لذلك دفعت الحكومة الصينية مؤسساتها إلى البحث عن أسواق جديدة في الخارج. وتركز هذه الاستراتيجية بشكل خاص على المنتجات الخضراء مثل السيارات الكهربائية، التي تجمع بين الابتكار والأسعار التنافسية.ومع ذلك، لم يكن التوجه إلى الأسواق التقليدية سهلاً، إذ فرضت الولايات المتحدة في سبتمبر 2024 تعريفة جمركية بنسبة 100% على السيارات الكهربائية الصينية، ثم رفعتها إلى 154% في منتصف 2025. وفي أوروبا، بدأت التحقيقات بشأن دعم الصين للصناعة، وهو ما اعتبرته بروكسل تدخلاً قد يشوّه السوق. هذه العقبات دفعت الصين إلى إعادة النظر في استراتيجيتها التوسعية، لتجد في إفريقيا سوقًا واعدًا وموقعًا استراتيجيًا ضمن سلسلة توريد السيارات الكهربائية العالمية.فماهو مصير السيارات الكهربائية الصينية في إفريقيا ؟
إفريقيا: من مورد للمعادن إلى سوق مستهلك
في الماضي، كانت إفريقيا ترتبط بشكل رئيسي باستخراج الكوبالت والليثيوم والمعادن النادرة الضرورية لإنتاج البطاريات. اليوم، أصبحت القارة أيضًا سوقًا مستهلكًا وموقعًا محوريًا لتجميع وتصنيع السيارات الكهربائية.
وفي هذا السياق، أعلنت شركة BYD عن خطط لزيادة عدد وكالاتها في جنوب إفريقيا تقريبًا ثلاثة أضعاف بحلول 2026 و في خطوة تهدف إلى تعزيز حصتها السوقية قبل أن تتحرك المنافسة. في المقابل، وسعت Chery حضورها في جنوب إفريقيا وكينيا، مستهدفة الفئة المتوسطة بسيارات بأسعار معقولة نسبيًا.
توني ليو، المدير التنفيذي لشركة Chery جنوب إفريقيا صرح:
“جنوب إفريقيا بوابة مهمة للقارة الإفريقية. السوق هناك ناضج من ناحية التمويل ووعي المستهلكين، ولذا نعتبرها سوقًا استراتيجيًا بالنسبة لنا.”
الإنتاج الكهربائي: المغرب في قلب الاستراتيجية
لتسهيل إنتاج البطاريات على المستوى القاري، تبني شركة Gotion High Tech أول مصنع “Gigafactory” للسيارات الكهربائية الصينية في إفريقيا بمدينة القنيطرة بالمغرب. ويعد هذا المشروع جزءًا من خطة المغرب للتحول من الصناعات الاستخراجية إلى الإنتاج ذي القيمة المضافة العالية، مع إمكانية التصدير إلى الأسواق الأوروبية والإفريقية على حد سواء.
الحكومة المغربية وصفت المشروع بأنه:
“استثمار استراتيجي يعزز موقع المملكة كقائد إقليمي في الصناعة والسيارات الكهربائية، ويوفر قاعدة تصديرية للسيارات والبطاريات.”
يمثل هذا المصنع نقطة محورية في استراتيجية الصين للسيارات الكهربائية العالمية، حيث يدمج إفريقيا في شبكة الإنتاج والتوزيع، لا كمورد خام فقط، بل كشريك استراتيجي.

إفريقيا تتبنى التحول الكهربائي
الدول الإفريقية لا تكتفي بدور المستهلك، بل تشارك بنشاط في وضع السياسات لدعم الانتقال إلى الطاقة النظيفة.
- جنوب إفريقيا، المغرب، ومصر تعتبر السيارات الكهربائية امتدادًا طبيعيًا لصناعاتها القائمة.
- دول مثل كينيا، رواندا، وأوغندا تعتبر فرصة للقفز مباشرة إلى الصناعات الحديثة دون المرور بالمراحل التقليدية.
كينيا مثال بارز، حيث وفرت الحكومة حوافز ضريبية، وسعت شبكات الشحن، ودمجت المبادرات الكهربائية ضمن الاستراتيجية الوطنية للطاقة. العاصمة نيروبي أطلقت أسطولًا من الحافلات الكهربائية للنقل العام، بالتعاون مع شركات ناشئة مثل Roam Motors، التي حصلت على تمويل من مؤسسة التمويل الأمريكية (DFC). كما تعمل الوكالة الألمانية للتنمية (GIZ) على تعزيز كفاءة النقل الكهربائي.
أوغندا، من جانبها، اعتمدت سياسة وطنية للتنقل الكهربائي منذ 2018، مع إعفاءات ضريبية وتشجيع على تبني السيارات الكهربائية بحلول 2040.
أما المغرب، فيعتبر بوابة للأسواق الأوروبية والأمريكية، حيث يتم تصدير حوالي 80–90% من إنتاج السيارات، مع خطط للوصول إلى 60% من السيارات الكهربائية المصدرة بحلول 2030.
الشراكات الصينية-الإفريقية: فوائد واستراتيجيات
تروج الصين لهذه الشراكات على أنها مكاسب مشتركة:
- وظائف جديدة.
- بنية تحتية للنقل الكهربائي.
- زيادة إنتاج السيارات الكهربائية للطلب العالمي.
كما ترى الصين في المغرب بوابة استراتيجية لتجاوز الحواجز الجمركية الأوروبية والأمريكية، مع توسيع النفوذ في إفريقيا.
ومع ذلك، هناك مخاطر يجب الانتباه لها:
- الأدوار المحدودة: غالبًا ما تقتصر الدول الإفريقية على التجميع، دون الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة.
- التبعية الاقتصادية: المشاريع الكبرى غالبًا تحت السيطرة الصينية، مما يقلل من قوة التفاوض السيادي.
- التأثير البيئي: استخراج المعادن الأساسية قد يؤدي لأضرار بيئية واجتماعية إذا لم يكن منظّمًا بشكل جيد.
الدول الإفريقية تحدد مستقبلها
العديد من الدول الإفريقية تعمل على تحديد شروطها الخاصة ضمن هذه الشراكات، بما في ذلك دعم الابتكار المحلي، وتحفيز البحث والتطوير، وضمان مشاركة المجتمع المحلي في صناعة القرار.
على سبيل المثال:
- جنوب إفريقيا أعلنت استثمارًا بقيمة 1 مليار راند (حوالي 54 مليون دولار) لتعزيز إنتاج السيارات الكهربائية بحلول 2035، مع التركيز على البطاريات والبنية التحتية.
- كينيا وأوغندا تبنيان شبكات شحن عامة وتدعم الابتكار المحلي في الحافلات والدراجات الكهربائية.
- المغرب يسعى لتطوير سلسلة إنتاج متكاملة، لتصبح الدولة مركزًا للتصدير مع توفير فرص اقتصادية حقيقية محليًا.
الخلاصة
إفريقيا اليوم ليست مجرد طرف ثانوي في سلسلة توريد السيارات الكهربائية الصينية.بل أصبحت شريكًا محوريًا في الاستراتيجية العالمية للسيارات الكهربائية.تغطي الأنشطة من أسواق المستهلكين إلى مراكز الإنتاج والتصدير.
تسعى الصين لتثبيت وجودها في القارة.بينما تحاول الدول الإفريقية الاستفادة من الفرص مع حماية مصالحها السيادية والبيئية.