السياسات الضريبية في ألمانيا تشجع السيارات الملوثة وتُضعف التحول نحو الكهرباء

Photo of author

By Sihem Braiek

في ظل تسارع الجهود العالمية للحد من الانبعاثات الكربونية والتحول نحو وسائل نقل صديقة للبيئة، تواجه ألمانيا القوة الاقتصادية الكبرى في أوروبا – انتقادات متزايدة بسبب السياسات الضريبية التي تنتهجها. فبدلاً من أن تكون محفزًا لاعتماد السيارات الكهربائية، يرى مراقبون أن هذه السياسات تسهم في دفع الشركات نحو اقتناء سيارات الدفع الرباعي الملوثة، نظرًا للتسهيلات والامتيازات المالية المرتبطة بها. هذا التوجه لا يتعارض فقط مع أهداف المناخ التي التزمت بها برلين، بل يُنذر أيضًا بإبطاء وتيرة التحول الأخضر وزيادة مستويات التلوث في المدن الألمانية.

نظام ضريبي يفضّل السيارات باهظة الثمن

سيارة تويوتا لاند كروزر الكهربائية التجريبية بتصميم مستقبلي في بيئة جبلية ثلجية.

تسمح القوانين الضريبية في ألمانيا للشركات بشراء سيارات لموظفيها وتسجيلها ضمن أصول الشركة، مما يتيح خصمًا ضريبيًا على هذه النفقات. وكلما زادت قيمة السيارة، زادت نسبة الخصم الضريبي الممكنة، ما يجعل السيارات الفاخرة، وخاصة سيارات الدفع الرباعي الملوثة، خيارًا مغريًا من الناحية المالية. في المقابل، لا توفر هذه السياسات نفس الجاذبية للسيارات الكهربائية، التي غالبًا ما تكون أصغر وأرخص.

نتائج عكسية على البيئة

هذا النظام يؤدي عمليًا إلى تعزيز استخدام المركبات التي تستهلك وقودًا أكثر وتُصدر كميات أكبر من ثاني أكسيد الكربون، على حساب السيارات الكهربائية النظيفة. ويزيد من المشكلة أن سيارات الدفع الرباعي تحظى بشعبية كبيرة بين الموظفين لما توفره من رفاهية ومساحة، ما يجعل السياسات الضريبية بمثابة دعم غير مباشر لهذا النوع من المركبات على حساب البيئة.

انخفاض في تسجيل السيارات الكهربائية

رغم الجهود التي بذلتها ألمانيا في السنوات الأخيرة لتوسيع سوق السيارات الكهربائية، أظهرت بيانات عام 2024 انخفاضًا في تسجيل المركبات الكهربائية الجديدة، وهو ما ربطه الخبراء بتراجع الحوافز المالية وإغراءات الخصم الضريبي المرتبطة بالسيارات البترولية، خصوصًا سيارات الشركات. وتبدو هذه النتائج مقلقة في ظل تعهد ألمانيا بالوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2045.

المستفيدون: شركات السيارات الفاخرة

من أبرز المستفيدين من هذه السياسات الشركات الكبرى في قطاع السيارات، مثل “مرسيدس-بنز”و”بي إم دبليو“، اللتين تركزان بشكل كبير على إنتاج سيارات الدفع الرباعي الفاخرة. فبفضل السياسات الضريبية الحالية، يمكن بيع هذه المركبات بسهولة للشركات التي تبحث عن استثمارات ذات خصم ضريبي عالٍ، حتى وإن كانت تلك المركبات غير صديقة للبيئة.

انتقادات من المنظمات البيئية

واجهت السياسات الألمانية موجة من الانتقادات من منظمات حماية البيئة مثل “غرينبيس”، التي ترى أن السياسات الضريبية الألمانية تقوض كل التقدم الذي تم إحرازه في التحول نحو الطاقة النظيفة. وطالبت هذه المنظمات بإصلاح شامل للنظام الضريبي الخاص بسيارات الشركات، بحيث يتم فرض ضرائب أعلى على المركبات ذات الانبعاثات الكبيرة، ومنح حوافز قوية للسيارات الكهربائية والهجينة.

مقارنة دولية: أين تقف ألمانيا؟

في حين أن ألمانيا تشكل مركزًا صناعيًا عالميًا، إلا أن سياساتها الحالية في مجال النقل تتناقض مع ما تقوم به دول أوروبية أخرى مثل النرويج وهولندا. ففي النرويج مثلًا، يتم إعفاء السيارات الكهربائية من الضرائب كليًا، مما جعلها تمثل أكثر من 80% من مبيعات السيارات الجديدة. بينما لا تزال ألمانيا تقدم دعمًا أقوى – وإن كان غير مباشر – للسيارات الملوثة.

دعوات للتغيير داخل ألمانيا

بدأت بعض الأصوات في البرلمان الألماني تطالب بإعادة النظر في السياسات الحالية، وتوجيه الحوافز الضريبية نحو تشجيع السيارات الكهربائية بدلًا من الدفع الرباعي التقليدي. ومع ذلك، فإن نفوذ لوبي صناعة السيارات، وتأثيره القوي على السياسات الاقتصادية، يظل عقبة كبيرة أمام أي تغيير جذري في المدى القريب.

السيناريو المستقبلي

مع تزايد الضغوط من الاتحاد الأوروبي لتقليل الانبعاثات، قد تُجبر ألمانيا قريبًا على تعديل سياساتها لتتوافق مع أهداف المناخ الأوروبية. وقد يشمل ذلك فرض ضرائب إضافية على السيارات ذات الانبعاثات العالية، وتحويل الحوافز المالية لصالح السيارات الكهربائية بالكامل.

خاتمة: تضارب بين الطموحات والسياسات

رغم أن ألمانيا تمتلك البنية التحتية والتقنية لدعم مستقبل النقل الكهربائي، إلا أن السياسات الضريبية الحالية تتعارض مع التوجه البيئي العالمي. وإذا لم يتم تعديل هذه السياسات قريبًا، فقد تجد ألمانيا نفسها متأخرة عن ركب التحول الأخضر، في وقت تتجه فيه معظم الدول المتقدمة إلى عالم أنظف وأكثر استدامة.

أضف تعليق