مقابض الأبواب المخفية: من ابتكار تصميمي إلى مصدر قلق سلامي

Photo of author

By Sihem Braiek

في السنوات الأخيرة، ومع التسارع الكبير في سوق السيارات الكهربائية، بدأت تفاصيل تصميمية صغيرة تتحول إلى قضايا سلامة حقيقية. واحدة من أكثر هذه التفاصيل إثارة للجدل هي مقابض الأبواب المخفية أو المسطّحة، التي أصبحت علامة مميّزة في عدد كبير من السيارات الحديثة. ورغم أن هذا التصميم يبدو أنيقًا ومتوافقًا مع روح المستقبل، فإن خبراء السلامة يحذّرون اليوم من مخاطره، خاصة في حالات الحوادث والطوارئ.

في هذا المقال، نحلّل الموضوع بهدوء، بعيدًا عن التهويل، ونشرح لماذا تحوّل هذا الخيار التصميمي من ميزة جمالية إلى نقطة نقاش خطيرة.

مقابض الأبواب المخفية: من فكرة أنيقة إلى سؤال سلامة

في البداية، ظهرت مقابض الأبواب المخفية كحل ذكي لمشكلة قديمة: مقاومة الهواء. فكل بروز في هيكل السيارة يؤثر، ولو بنسبة بسيطة، على الانسيابية واستهلاك الطاقة. ومع السيارات الكهربائية، حيث كل كيلومتر إضافي في المدى مهم، أصبح تقليل مقاومة الهواء هدفًا واضحًا.

لكن المشكلة أن ما يبدو منطقيًا على الورق لا يكون دائمًا عمليًا على الطريق. فالمقبض الذي يختفي داخل الهيكل لا يكون دائمًا سهل الاستخدام، خصوصًا في ظروف غير طبيعية.

مقابض الأبواب المخفية: من فكرة أنيقة إلى سؤال سلامة

لماذا تعتمد الشركات هذا التصميم في السيارات الكهربائية؟

شركات كثيرة، مثل Tesla وBMW وHyundai، تبنّت هذا النوع من المقابض لأسباب متعددة.

أولًا، هناك الانسيابية الهوائية. المقبض المسطّح يقلل الاحتكاك مع الهواء، ما ينعكس بشكل مباشر على استهلاك الطاقة، خصوصًا عند السرعات العالية.
ثانيًا، هناك الهوية البصرية. السيارات الكهربائية تُسوَّق على أنها مختلفة، مستقبلية، وأقرب للتكنولوجيا منها إلى الميكانيك التقليدي. والمقابض المخفية تخدم هذا التوجّه.
وثالثًا، هناك التكامل مع الأنظمة الذكية، حيث يمكن ربط فتح الأبواب بالاقتراب من السيارة أو بالتعرّف على الهاتف أو المفتاح الرقمي.

لكن رغم هذه المبررات، يبقى السؤال: ماذا يحدث عندما لا تسير الأمور كما هو مخطّط لها؟

سلوك الإنسان في حالات الطوارئ: البساطة تنقذ الأرواح

في الظروف العادية، قد يحتاج المستخدم الجديد بضع دقائق ليتعلّم كيفية فتح باب سيارة بمقبض مخفي. هذا مقبول. لكن في حالة حادث، الوضع مختلف تمامًا.

خبراء السلامة يلفتون الانتباه إلى نقطة أساسية: الإنسان تحت الضغط يتصرّف بشكل غريزي. في لحظة صدمة، أو عند انتشار الدخان، أو بعد اصطدام قوي، لا يفكّر السائق أو الراكب في “طريقة التشغيل الصحيحة”. بل يبحث عن شيء واضح، يراه ويمسكه فورًا.

المقابض التقليدية تقدّم هذه البساطة. أما المقابض المخفية، فقد تتطلب ضغطًا في نقطة معيّنة، أو سحبًا بزاوية محددة، أو حتى انتظار خروج المقبض آليًا. وكل هذه الخطوات تصبح مشكلة عندما تكون الثواني حاسمة.

انقطاع الكهرباء بعد الحوادث وتأثيره على فتح الأبواب

واحدة من أخطر النقاط التي يثيرها المختصون هي الاعتماد الكبير على الكهرباء. في كثير من السيارات الكهربائية، تعمل المقابض المخفية عبر محركات صغيرة وأنظمة إلكترونية.

بعد حادث قوي، قد يتضرر النظام الكهربائي بالكامل. وفي هذه الحالة، قد لا تستجيب الأبواب للأوامر المعتادة. صحيح أن معظم الشركات تضع آليات فتح يدوية احتياطية، لكن المشكلة أن:

  • هذه الآليات غالبًا غير واضحة.
  • مكانها يختلف من سيارة لأخرى.
  • كثير من المستخدمين لا يعرفون بوجودها أصلًا.

وهنا يتحول “الحل الاحتياطي” إلى حل نظري فقط.

فرق الإنقاذ تواجه تحديًا غير متوقّع

الموضوع لا يخص السائقين وحدهم. فرق الإسعاف والإطفاء عبّرت أيضًا عن مخاوفها. فهذه الفرق تتعامل يوميًا مع سيارات مختلفة، وفي ظروف صعبة، وغالبًا في الليل أو تحت المطر أو وسط حطام.

عندما لا يكون المقبض واضحًا، أو عندما لا يعمل النظام الكهربائي، يضطر رجال الإنقاذ إلى كسر الزجاج أو استخدام أدوات ثقيلة لفتح الأبواب. هذا الإجراء يستغرق وقتًا أطول، وقد يعرّض المصاب لمخاطر إضافية.خبراء السلامة يرون أن التصميم الجيد يجب أن يكون بديهيًا حتى لمن لم يسبق له قيادة السيارة، لا فقط لمن اشتراها وقرأ دليل الاستخدام.

الانسيابية مقابل سهولة الاستخدام: أين يجب أن يكون التوازن؟

لا أحد ينكر أن التصميم الأنيق والانسيابي له قيمة. لكن السؤال الحقيقي هو: هل الفرق في استهلاك الطاقة يبرّر التضحية بسهولة الخروج من السيارة في حالات الطوارئ؟

بعض الدراسات تشير إلى أن تأثير المقابض على المدى ليس كبيرًا كما يُروَّج له، خصوصًا في الاستخدام اليومي داخل المدن. وهذا يفتح بابًا لإعادة التفكير: هل نحن نبالغ في تحسين أرقام صغيرة على حساب السلامة؟

آليات الفتح اليدوي: موجودة لكن غير معروفة

معظم السيارات التي تعتمد مقابض مخفية تحتوي فعلًا على آلية فتح ميكانيكية داخلية أو خارجية. لكن المشكلة أن هذه الآليات:

  • غير موحّدة بين الشركات.
  • غير مذكورة بوضوح في السيارة نفسها.
  • تعتمد على معرفة مسبقة من المستخدم.

خبراء السلامة يقترحون أن تكون هذه الآليات مرئية وبديهية، أو على الأقل موحّدة بمعايير واضحة، حتى يتمكن أي شخص من استخدامها دون شرح.

هل تحتاج قوانين السلامة إلى التحديث؟

التكنولوجيا تتقدّم بسرعة، لكن القوانين غالبًا ما تتأخر. كثير من معايير السلامة الحالية وُضعت في زمن المقابض التقليدية، ولم تأخذ في الحسبان هذا النوع من التصاميم.

اليوم، ترتفع الأصوات المطالبة بتحديث هذه المعايير، ليس لمنع الابتكار، بل لضمان أن أي تصميم جديد يمر باختبارات واقعية تشمل سيناريوهات الطوارئ، لا فقط ظروف الاستخدام المثالية.

مستقبل مقابض الأبواب في السيارات الكهربائية

من غير المرجّح أن تختفي المقابض المخفية تمامًا. لكنها قد تتطوّر. الحل قد يكون في تصاميم هجينة تجمع بين الانسيابية وسهولة الإمساك، أو في إضافة إشارات بصرية ولمسية واضحة، أو حتى في تدريب المستخدمين بشكل أفضل.

الأكيد أن الجدل الحالي سيؤثر على قرارات التصميم في السنوات القادمة.

الخلاصة

في النهاية، السيارات الكهربائية تمثّل مستقبل النقل، وهذا أمر إيجابي. لكن كل تفصيلة فيها يجب أن تُقيَّم من منظور الاستخدام الحقيقي، لا فقط من زاوية التصميم أو التسويق.

مقابض الأبواب المخفية مثال واضح على أن الابتكار لا يكون ناجحًا دائمًا لمجرّد أنه جديد. النجاح الحقيقي هو عندما تجعل التكنولوجيا حياة الناس أسهل وأكثر أمانًا، لا أكثر تعقيدًا في اللحظة التي يحتاجون فيها إلى البساطة.

أضف تعليق