لماذا توقّفت فورد عن إنتاج F‑150 Lightning الكهربائية؟

في خطوة مفاجئة لكثير من المتابعين، أعلنت شركة فورد الأمريكية عن إيقاف إنتاج الشاحنة الكهربائية بالكامل F‑150 Lightning بعد حوالي ثلاث سنوات من طرحها في الأسواق. هذا القرار لم يكن مجرد تغيير في خط الإنتاج، بل يمثل نقطة تحول في استراتيجيات شركة فورد وفي كيفية فهم صناعة السيارات الكهربائية للشاحنات الكبيرة، خاصة في السوق الأمريكي حيث تُعد سلسلة F‑150 الأكثر مبيعاً عبر التاريخ.

القرار أثار تساؤلات عديدة حول مستقبل الشاحنات الكهربائية: هل فشل التحوّل الكهربائي في أحد أكبر مصنّعي السيارات في العالم؟ وما انعكاسات هذا القرار على صناعة السيارات الكهربائية ككل؟ للإجابة على هذه الأسئلة، يجب النظر إلى الأسباب الواقعية وراء القرار، ومقارنة F‑150 Lightning بالمنافسين، وتحليل السوق الأمريكي والأوروبي، مع التوقعات المستقبلية.

F‑150 Lightning كانت وعداً كبيراً

عند إطلاقها في عام 2022، حقّقت F‑150 Lightning زخماً كبيراً بين المشترين. كانت الفكرة واضحة: تقديم نسخة كهربائية من شاحنة F‑150 الشهيرة، مع توفير العزم الفوري للسيارات الكهربائية، وانخفاض تكلفة التشغيل، وسهولة الصيانة مقارنة بالشاحنات التقليدية.

بلغت الحجوزات الأولية أكثر من 200 ألف طلب قبل بدء الإنتاج، وهو رقم قياسي يعكس اهتمام المستهلكين بالنسخة الكهربائية. ولكن سرعان ما ظهرت بعض العقبات التي أثرت على استمرار نجاح السيارة.

الأسباب الرئيسية لتوقّف إنتاج F‑150 Lightning الكهربائية

1. ضعف الطلب مقارنة بالتوقعات

على الرغم من الزخم الأولي، لم تتحقق مبيعات مستمرة بالشكل المتوقع. في 2025، واجهت المبيعات تراجعاً ملحوظاً، حيث لم يتحول معظم المشترين التقليديين لشاحنات F‑150 إلى النسخة الكهربائية.

أسباب ضعف الطلب تشمل:

• السعر المرتفع مقارنة بالنسخ التقليدية.
• قدرات السحب والحمولة لم ترقَ لتوقعات العملاء عند الحمل الثقيل.
• التردد النفسي للمستهلكين في اعتماد شاحنة كهربائية كبيرة على نطاق واسع.

2. التكلفة الإنتاجية العالية وعدم الربحية

إنتاج شاحنة كهربائية كبيرة مكلف للغاية، خصوصاً بطاريات الليثيوم والمكونات الكهربائية المتقدمة. فورد كانت تواجه تحديات كبيرة في تحقيق الربحية، حيث أن تكلفة الإنتاج كانت غالباً أعلى من السعر الذي يمكن تحقيقه في السوق.

شركة فورد سجلت خسائر كبيرة في قسم EV منذ 2023، واضطرت لشطب مالي مرتبط ببرنامج الشاحنات الكهربائية، ما جعل الاستمرار في الإنتاج غير مجدٍ من الناحية المالية.

3. تغير البيئة التنظيمية والحوافز

أحد الأسباب المهمة هو تراجع الدعم الحكومي والحوافز الضريبية في الولايات المتحدة، ما أثّر مباشرة على قرارات الشراء. كانت الحوافز تمثل عاملاً مهماً لجذب المشترين، وعند إلغائها أو تقليصها أصبح المستهلكون أكثر تحفظاً في تبني الشاحنة الكهربائية.

4. التحوّل نحو حلول هجينة ومدى ممتد

بدلاً من الاستمرار في F‑150 Lightning الكهربائي بالكامل، أعلنت فورد عن نيتها طرح نسخة كهربائية بمدى ممتد (EREV) تعتمد على محرك بنزين لتوليد الكهرباء عند الحاجة. هذا الحل يوفر نطاقاً أكبر ويقلل المخاوف من نفاد البطارية خلال الاستخدام الفعلي للشاحنة.

مقارنة F‑150 Lightning بالمنافسين

Tesla Cybertruck

• المدى: تصل إلى 500 كم في النسخة الأعلى، مقابل 370 كم تقريباً لشاحنة فورد.
• الأداء: تسارع أسرع وعزم أكبر في النسخ الكهربائية بالكامل.
• التصميم: مستقبلي وجاذب، لكنه أقل عملية من التصميم التقليدي للفورد.

GM Silverado EV

• المدى: مشابه لشاحنة فورد في النسخ الأساسية، مع خيارات بطارية أكبر للمدى الطويل.
• التكلفة: أعلى قليلاً من F‑150 Lightning، لكنها تعتمد استراتيجيات تسعير تشجيعية على المدى الطويل.
• الانتشار: التسليم محدود نسبياً، لكن الشركة تراهن على توسع سريع في 2026–2027.

Rivian R1T

• المدى: متوسط بين 400 و480 كم حسب النسخة.
• الأداء: يركز على القيادة الميدانية والطرق الوعرة.
• السوق المستهدف: عشاق المغامرات والمستخدمين الفاخرة، وليس السوق الجماهيري التقليدي للشاحنات.

السوق الأمريكي: التحديات والفرص

في السوق الأمريكي، تشكل الشاحنات الكهربائية تحدياً خاصاً:

• البنية التحتية للشحن: لا تزال غير مثالية للرحلات الطويلة مع الشاحنات الكبيرة.
• السعر: الشاحنات الكهربائية غالباً أغلى بكثير من النسخ التقليدية.
• السلوك الشرائي: العديد من المشترين التقليديين يفضلون الشاحنات ذات المحرك البنزين أو الهجينة بسبب الاعتمادية والخبرة السابقة.

ولكن هناك فرص أيضاً:

• الطلب على الشاحنات الصديقة للبيئة في المدن الكبرى يرتفع تدريجياً.
• الشركات التي تعتمد على النقل والتوصيل بدأت تنتقل إلى السيارات الكهربائية لتقليل التكاليف التشغيلية والانبعاثات.

السوق الأوروبي: اختلاف الديناميكيات

في أوروبا، السوق أصغر بالنسبة للشاحنات الكهربائية، لكن التوجه نحو الكهرباء أسرع بسبب السياسات الحكومية:

• القيود على الانبعاثات في المدن الكبرى.
• إعانات حكومية للشراء والدعم الضريبي.
• انتشار محطات الشحن عالية الأداء، ما يجعل استخدام الشاحنات الكهربائية أكثر عملية.

إلا أن السيارات الأوروبية الأكبر حجماً تواجه نفس مشاكل السعر والمدى مقارنة بالشاحنات التقليدية، ما يجعل التحوّل تدريجي وليس سريعاً.

توقعات مستقبلية حتى 2030

1. الشاحنات الكهربائية الكبيرة ستظل تتوسع، لكن بوتيرة أبطأ مما كان متوقعاً سابقاً.
2. الشاحنات المتوسطة والصغيرة ستشهد نموّاً أسرع، بسبب القدرة على الربحية وانخفاض تكلفة الإنتاج.
3. البنية التحتية للشحن ستتطور تدريجياً لتلبية احتياجات المستخدمين، خصوصاً في المدن الكبرى والشاحنات المستخدمة للتوصيل.
4. الاعتماد على حلول هجينة ومدى ممتد سيكون شائعاً بين الشركات المصنعة، لتقليل المخاطر النفسية والتقنية على المستخدمين.

التأثير على صناعة السيارات الكهربائية

قرار فورد يذكّرنا بأن التحوّل إلى السيارات الكهربائية لن يكون خطياً أو سريعاً:

• الشركات تحتاج لإعادة تقييم استراتيجياتها حسب تفضيلات المستهلكين.
• فئات السيارات الكبيرة تواجه صعوبات أكبر من السيارات الصغيرة والمتوسطة.
• السوق العالمي يتجه نحو التنوع بين السيارات الكهربائية بالكامل، الهجينة، والمركبات بمدى ممتد.

الخلاصة

توقف فورد عن إنتاج F‑150 Lightning الكهربائية لا يعني نهاية الشاحنات الكهربائية، لكنه تصحيح استراتيجي يراعي واقع السوق، ويتركز على مركبات أصغر وأكثر ربحية مع حلول هجينة أو بمدى ممتد. القرار يسلط الضوء على التحديات الاقتصادية والتكنولوجية والنفسية التي تواجه الشركات المصنعة، ويعطي مؤشراً على اتجاه صناعة السيارات الكهربائية خلال السنوات المقبلة، سواء في أمريكا أو أوروبا أو الأسواق الناشئة.