التحوّل الكهربائي في أوروبا: أي الدول تقود مبيعات السيارات الكهربائية؟

Photo of author

By Sihem Braiek

يشهد السوق الأوروبي تغيّرًا واضحًا في طريقة شراء السيارات خلال السنوات الأخيرة. السيارات الكهربائية لم تعد خيارًا جانبيًا أو خاصًا بفئة صغيرة، بل أصبحت جزءًا أساسيًا من المنافسة داخل أغلب الدول الأوروبية. ومع ازدياد الدعم الحكومي وتشدّد قوانين الانبعاثات وتطور البطاريات، أصبح التوجه نحو السيارات الكهربائية جزءًا من السياسة العامة للاتحاد الأوروبي. التحوّل الكهربائي في أوروبا لا يسير بالسرعة نفسها في كل مكان، لكنه يخلق واقعًا جديدًا يغيّر شكل السوق تمامًا.

وعندما نبحث عن الدول التي تشتري أكبر عدد من السيارات الكهربائية، نجد أن الصورة تختلف حسب المؤشر المستخدم. فهناك دول تمتلك أعلى نسبة مبيعات كهربائية مقارنة بإجمالي مبيعاتها السنوية. وهناك دول أخرى تقود السوق من حيث العدد الفعلي للمبيعات. وهذا ما يجعل فهم التحوّل الكهربائي في أوروبا بحاجة إلى تفصيل دقيق، لأن كل دولة تتقدم بطريقة مختلفة ولأسباب مختلفة.

الدول التي تتصدر مبيعات السيارات الكهربائية في أوروبا

النرويج ما تزال صاحبة أعلى نسبة سيارات كهربائية في أوروبا. في بعض السنوات تجاوزت نسبة شراء السيارات الكهربائية فيها 80% من إجمالي المبيعات الجديدة. السبب بسيط: دعم حكومي كبير، وبنية شحن قوية، وإعفاءات من الرسوم. وبالرغم من أن عدد سكانها أقل من الكثير من الدول الأوروبية، إلا أن تأثيرها على الصورة العامة كبير لأنها تثبت أن اعتمادًا شبه كامل على السيارات الكهربائية ممكن بالفعل.

أما ألمانيا فهي أكبر سوق من حيث العدد الفعلي للمبيعات. عدد السيارات التي تُباع سنويًا في ألمانيا يفوق أي دولة أوروبية أخرى، وبالتالي فإن أي تحوّل في هذا السوق يغيّر الحسابات الأوروبية كلها. ورغم تراجع بعض برامج الدعم، إلا أن السوق ما يزال قويًا، والشركات الألمانية تستثمر بكثافة في إنتاج السيارات الكهربائية.

بريطانيا وفرنسا أيضًا من الأسواق الكبيرة. كلا البلدين يحقق مبيعات متواصلة، لكنهما يواجهان تحديات تتعلق بالبنية التحتية وتفاوت الدعم بين المناطق. ومع ذلك، وجود شركات محلية واستثمارات في مصانع البطاريات يعطي السوقين دفعة إضافية خلال السنوات المقبلة.

كيف يغيّر التحوّل الكهربائي طريقة شراء السيارات في أوروبا

التحوّل الكهربائي لم يغيّر فقط نوع السيارة التي يختارها المستهلك، بل غيّر طريقة التفكير في الشراء. في الماضي، كان المستهلك الأوروبي يحدد خياره بناء على استهلاك الوقود وتكلفة الصيانة وقوة المحرك. اليوم أصبحت الأسئلة مختلفة تمامًا. كثير من السائقين يسألون: “ما مدى البطارية؟” أو “كم تستغرق عملية الشحن؟” أو “هل توجد محطة شحن قريبة من منزلي؟”.

هذا التغيير يعكس انتقالًا تدريجيًا من ثقافة تعتمد على الوقود إلى ثقافة تعتمد على الكهرباء. كما أن توفر خيارات متنوعة وبأسعار مختلفة جعل المقارنة أسهل. فهناك سيارات كهربائية صغيرة مخصصة للمدينة، وأخرى أكبر مناسبة للسفر، وكل واحدة منها تقدم مدى مختلفًا وسرعة شحن مختلفة. ومع الوقت أصبح المستهلك أكثر وعيًا بكيفية حساب تكلفة التشغيل الشهرية بعيدًا عن الوقود التقليدي، وهذا جزء أساسي من التحوّل الكهربائي في أوروبا.

أثر التحوّل الكهربائي على شركات تصنيع السيارات الأوروبية

أثر التحوّل الكهربائي على شركات تصنيع السيارات الأوروبية

التحوّل الكهربائي فرض على شركات السيارات الأوروبية تحديًا كبيرًا. فالشركات لم تعد قادرة على الاكتفاء بإنتاج سيارات تعمل بالبنزين أو الديزل ثم إضافة بعض الطرازات الكهربائية بشكل جانبي. اليوم المطلوب هو بناء منصات جديدة بالكامل مخصصة للسيارات الكهربائية، لأن المنصات التقليدية لم تعد مناسبة لهذا النوع من المركبات.

ولهذا بدأت الشركات الأوروبية في تغيير مصانعها، وتدريب العمال على مهارات جديدة، والاستثمار في البطاريات. بعض الشركات دخلت في شراكات مع شركات آسيوية لتأمين الإنتاج، وبعضها قرر بناء مصانع خاصة بالبطاريات داخل أوروبا. كل هذه التغييرات تحدث بسرعة كبيرة، لأن المنافسة لم تعد فقط داخل أوروبا، بل مع الشركات الصينية التي تدخل السوق بقوة، خاصة مع طرازات بأسعار أقل.

هذا التغيير لا يؤثر على الشركات فقط، بل يمتد إلى موردي القطع والمصانع الصغيرة وشبكات الصيانة. ومع مرور الوقت، سيظهر توازن جديد في الصناعة يعتمد بشكل أساسي على مدى قدرة الشركات على الاندماج داخل منظومة التحوّل الكهربائي.

أسباب توسّع السيارات الكهربائية في أوروبا

انتشار السيارات الكهربائية في أوروبا لا يعود إلى سبب واحد، بل إلى مجموعة عوامل تعمل معًا، وكلها تدعم الاتجاه نفسه.

تشريعات الاتحاد الأوروبي

الاتحاد الأوروبي يفرض معايير صارمة على انبعاثات السيارات، ويضع أهدافًا سنوية يجب على الشركات الالتزام بها. أي مخالفة لهذه المعايير تعني غرامات كبيرة. ولهذا أصبح كثير من الشركات يركز على إنتاج السيارات الكهربائية كحل أساسي لتقليل الانبعاثات. وهذا الإجراء من أهم دوافع التحوّل الكهربائي داخل أوروبا.

الدعم الحكومي

الدعم الحكومي يختلف من دولة إلى أخرى، لكنه يبقى عنصرًا مهمًا في تسريع الانتشار. الإعفاءات الضريبية وتخفيض الرسم الأولي وتسهيل بناء محطات الشحن كلها عوامل تشجع المستهلك على اتخاذ قرار الشراء. وبعض الدول تقدّم دعمًا مباشرًا يخصم من سعر السيارة.

ارتفاع أسعار الوقود

ارتفاع أسعار البنزين والديزل في السنوات الأخيرة جعل المستهلك يفكر في بدائل أقل تكلفة. ومع أن أسعار الكهرباء ارتفعت في بعض الدول، إلا أن الفرق بين تكلفة تشغيل سيارة كهربائية وتكلفة تشغيل سيارة تعمل بالوقود ما يزال لصالح الكهرباء، خاصة على المدى البعيد.

تطور البطاريات

التطور الكبير في تكنولوجيا البطاريات جعل مدى السيارات الكهربائية أعلى وسرعة الشحن أفضل. وهذا التطور رفع ثقة المستهلك في قدرة السيارة على تلبية احتياجاته اليومية دون قلق.

التحوّل الكهربائي ودور الدعم الحكومي في تسريع الانتشار

برامج الدعم التي تقدمها الحكومات الأوروبية ليست خطوة مؤقتة، بل جزء من استراتيجية طويلة تهدف إلى تقليل الانبعاثات. بعض الدول تدعم شراء السيارة بمبالغ مباشرة، وبعضها يخفّض الضرائب، وبعضها يمنح أصحاب السيارات الكهربائية امتيازات مثل الدخول إلى مواقف خاصة أو استخدام مسارات معينة.

هذا الدعم يخلق فارقًا واضحًا بين الدول. فالدول التي تقدم برامج دعم قوية تسجل مبيعات مرتفعة، بينما الدول التي تقدم دعمًا محدودًا تتحرك بوتيرة أبطأ. وهذا يفسر الفارق الكبير بين أسواق مثل النرويج وألمانيا من جهة، وأسواق مثل إيطاليا وإسبانيا من جهة أخرى.

مستقبل التحوّل الكهربائي في الدول الأوروبية بين النمو والتحديات

المستقبل يشير إلى استمرار النمو، لكن ليس بالسرعة نفسها في كل مكان. الدول ذات الدخل المرتفع والبنية التحتية المتطورة ستقود هذا النمو خلال السنوات القادمة. أما الدول التي تواجه صعوبات اقتصادية أو بنية شحن ضعيفة فستحتاج إلى وقت أطول قبل الوصول إلى نسب مشابهة.

التحديات الأساسية تشمل:

  • الحاجة إلى بناء محطات شحن تغطي المدن والطرق.
  • ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية في بعض الأسواق.
  • بطء التوسع في القرى والمناطق البعيدة.

ورغم هذه التحديات، من الواضح أن الاتجاه ثابت. السياسات الأوروبية لا تتراجع، والشركات تستثمر بكثافة، والمستهلك أصبح أكثر قبولًا للفكرة مع انخفاض الأسعار ودخول طرازات جديدة بأسعار مناسبة.

إذا أعجبك هذا المقال، لدينا المزيد من المقالات العملية حول الأوروبيون يبدؤون في تقبّل السيارات الكهربائية الصينية

أضف تعليق