في عالم السيارات الكهربائية (EV)، تحقيق الربحية سريعًا يُعد تحديًا كبيرًا. لكن شاومي (Xiaomi)، الشركة الصينية المعروفة في مجال الهواتف الذكية والإلكترونيات. أثبتت أنها قادرة على اختراق هذا السوق بقوّة واستراتيجية مختلفة: نموذج “الهاتف على العجلات — Smartphone on Wheels”. فعلى الرغم من أن دخول سوق السيارات يتطلب استثمارات هائلة ومعرفة تصنيع مختلفة. إلا أن شاومي نجحت في جني أرباحها خلال 19 شهرًا فقط من إطلاق أول سيارة كهربائية لها.
هذا الانجاز تم وصفه بأنه “مذهل” أو “مغير لقواعد اللعبة” في صناعة السيارات الكهربائية. لأنه يوضح كيف يمكن للشركات التكنولوجية أن تستخدم قوتها في النظام البيئي (ecosystem) لتحقيق نجاح أسرع مما تفعله الشركات التقليدية لصناعة السيارات.
1. قراءة في الأرقام: ما الذي حقّقته شاومي بالضبط؟
أشارت تقارير حديثة إلى أن قسم السيارات الكهربائية والذكاء الاصطناعي والمبادرات الجديدة في شاومي سجّل ربحًا قدره 700 مليون يوان صيني (حوالي 98 مليون دولار) في الربع الثالث من عام 2025.
هذا الربح يُعد كبيرًا جدًا إذا أخذنا في الاعتبار أن أولى سيارات شاومي (طراز SU7) أُطلقت قبل حوالي 19 شهرًا فقط من ذلك الربع.
بالمقارنة، استغرقت تسلا سنوات عديدة قبل أن تحقق الربحية؛ فوفقًا للتقارير، تسلا لم تُبلغ عن أول ربح صافي ربع سنوي لها إلا بعد ما يقارب خمس سنوات من بدء تسليم سياراتها الأولى.
2. لماذا يُمكن وصف استراتيجية شاومي بأنها “نموذج الهاتف على العجلات”؟
التعبير “الهاتف على العجلات” يعكس الفكر الذي اتبعته شاومي عند دخولها قطاع السيارات الكهربائية. وهو اعتمادها على خبرتها في تكنولوجيا الهواتف الذكية، وبنيتها التحتية التقنية، وقاعدة المستخدمين الكبيرة، بدلاً من البدء من الصفر كما تفعل شركات السيارات التقليدية.
أهم نقاط هذا النموذج:
- قاعدة مستخدمين ضخمة: شاومي تملك ملايين المستخدمين لهواتفها الذكية، وهذا يمنحها ميزة كبيرة. عند إطلاق سياراتها، لم يكن عليها إنشاء سوق من لا شيء؛ كثير من مستخدمي هواتف شاومي قد يهتمون بالسيارات الذكية التي تتكامل مع أجهزتهم الأخرى.
- نظام بيئي متكامل: شاومي تستخدم نظامًا بيئيًا يشمل الهواتف، المنازل الذكية، السحابة، التطبيقات، وكل هذا يمكن ربطه بسيارتها الكهربائية. هذا التكامل يفتح آفاقًا لتحقيق إيرادات من ما هو أبعد من مجرد بيع السيارة، مثل خدمات السحابة، الترفيه داخل السيارة، التطبيقات المخصصة، وغيرها.
- فعالية في التكاليف: شاومي استغلت خبرتها في التصنيع والإنتاج التكنولوجي لتقليل تكاليف الدخول. بدلاً من استثمارات ضخمة مثل بعض شركات السيارات، استطاعت أن تقلل كثيرًا من تكاليف اكتساب العملاء لأنها تحوّل بالفعل بعض مستخدمي الهواتف إلى مشترين للسيارات أو مستهلكين لخدماتها.
- إطلاق مثل إطلاق منتج تكنولوجي: شاومي أطلقت السيارة بطريقة تشبه إطلاق هاتف ذكي: بثوث مباشرة، تسريبات متحكم بها، تحديثات مسلسلّة، مما خلق ضجة تسويقية لدى جمهورها التكنولوجي.
3. الطرازات التي دفعت نمو شاومي
النجاح ليس صدفة: شاومي أطلقت طرازات ذكية حققت قبولًا سريعًا:
- SU7: هذه السيدان الكهربائية هي أول طراز من شاومي، وأثبتت نجاحًا سريعًا من حيث الطلب.
- YU7 SUV: أُعلن عنها لاحقًا، وحققت طلبًا هائلاً فور الإعلان، مما سرّع من نمو شريحة السيارات الكهربائية داخل شاومي.
- طرازات أخرى وخطط: حسب المصادر، شاومي تدمج سياراتها مع نظام تشغيل خاص (HyperOS) يربط الهاتف والسيارة والأجهزة الذكية الأخرى، مما يزيد من قيمة السيارة كمركز تكنولوجيا وليس مجرد وسيلة تنقّل.

4. معوقات وتحديات أمام شاومي
رغم هذا النجاح المبكر، شاومي ليست بمنأى عن التحديات:
- تراجع الدعم الضريبي: هناك توقعات بأن الدعم الضريبي للسيارات الكهربائية في الصين قد يتراجع، مما قد يؤثر على الطلب ويضغط على هوامش الربح.
- التحكم في التكاليف: مع الربحية تأتي توقعات أعلى. شاومي ذكرت أن هوامش الربح في البُعد الكهربائي قد تتراجع في 2026 بسبب التخفيضات والعروض (مثل خصومات للمشترين المبكرين).
- التركيز محليًا أولًا: حتى الآن، توجهات شاومي في السيارات تركز بشكل كبير على السوق الصيني، وليس لديها خطة توسع خارجي كبيرة قبل 2027، بحسب بعض التقارير.
- المنافسة القوية: تسلا لا تزال منافسًا كبيرًا، وكذلك شركات صينية أخرى مثل BYD. في بعض الاختبارات التقنية، مثل القيادة الذكية، تسلا لا تزال تتفوق. جريدة البورصة
- مخاطر الجودة والسلامة: كما هو معروف، دخول أي شركة تكنولوجيا إلى تصنيع السيارات يعني أنها تخوض معركة التوازن بين الأداء التكنولوجي والسلامة والإنتاج الضخم. هذا تحدٍّ كبير.
5. ما هي الدلالات الاقتصادية لهذه الربحية السريعة؟
نجاح شاومي بهذا الشكل يحمل عدة دلالات مهمة:
- نموذج “التكنولوجيا أولًا” ينجح: شاومي أظهرت أن الشركة التكنولوجية الضخمة يمكنها أن تدخل سوق السيارات الكهربائية بطريقة فعالة، خاصة إذا ربطت منتجاتها في النظام البيئي.
- ثقل قاعدة المستخدمين مهم جدًا: وجود ملايين من مستخدمي الهواتف الذكية يمنح ميزة تنافسية كبيرة عند دخول عالم السيارات الذكية، لأنه يجعل اكتساب العملاء أسرع وأرخص.
- التكامل بين الأجهزة يمنح ميزة إضافية: مثل نظام HyperOS من شاومي، يربط الهاتف والسيارة والخدمات السحابية يجعل السيارة أكثر من مجرد وسيلة تنقّل، بل مركز ترفيهي وتكنولوجي.
- تحول جديد في تمويل السيارات الكهربائية: الربحية السريعة قد تشجّع شركات تكنولوجيا أخرى للدخول بقوة إلى قطاع EV، مما يزيد المنافسة ويقلل الوقت اللازم لتحقيق الأرباح.
- ضغوط على تيسلا: حقيقة أن شاومي تسبقها في الربحية بهذه السرعة قد تشكل تهديدًا لتسلا، خاصة في السوق الصيني أو حتى في الأسواق الأخرى مستقبلًا.
6. ماذا يعني هذا لتسلا؟
- التسارع الكبير في ربحية شاومي قد يعيد رسم الخريطة التنافسية: فبدلاً من رؤية سيارات تسلا كقائدة وحيدة في الربحية الصناعية، قد يكون هناك منافس تكنولوجي قوي من الصين قادر على المنافسة بطريقة مختلفة.
- تسلا قد تحتاج إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها لتكامل الخدمات: ليست فقط السيارة، بل كيف ترتبط بالهواتف والخدمات السحابية سيكون عاملًا.
- زيادة ضغوط تسعير: إذا استمرت شركات مثل شاومي في تقديم سيارات كهربائية ذكية وبأسعار تنافسية مع الربحية، قد تضطر تسلا إلى تعديل أسعارها أو التركيز على أسواق عالية الربحية.
7. ما بعد الربحية: إلى أين تتجه شاومي؟
الربحية ليست نقطة النهاية، بل بداية مرحلة جديدة لشاومي:
- التوسع الدولي: من المتوقع أن تنظر شاومي في دخول أسواق خارج الصين بعد ترسيخ وجودها محليًا. بعض التقارير تتحدث عن خطط للتوسع، لكن هذه الخطوة تحتاج موارد وتحديات كبيرة.
- استثمارات في الذكاء الاصطناعي: كون قسم السيارات مرتبطًا أيضًا بـ “AI” يُشير إلى أن شاومي قد تطور قدرات سياراتها الذكية، سواء في الترفيه أو القيادة المساعدة.
- خدمات ما بعد البيع: شاومي لديها الإمكانية لتوفير خدمات سحابية، تحديثات OTA، تطبيقات خاصة للسيارة، ما قد يخلق دخلًا مستدامًا بعد البيع.
- التنويع في الطرازات: ربما نرى في المستقبل طرازات كهربائية صغيرة أو فاخرة، SUV، أو سيارات مخصصة للعمل التكنولوجي، اعتمادًا على نجاح SU7 وYU7.
تفوق شاومي على تسلا من حيث الربحية في 19 شهرًا فقط هو إنجاز استراتيجي كبير.
نموذج “الهاتف على العجلات” الذي اعتمدته الشركة أثبت فعاليته، من خلال الاستفادة من خبرتها التكنولوجية، قاعدة مستخدمي الهواتف الذكية، ونظام بيئي متكامل.
هذا النجاح لا يضع شاومي فقط كمصنع سيارات كهربائية، بل كمنافس تكنولوجي يدمج الهواتف والذكاء الاصطناعي والسيارات في تجربة واحدة متماسكة.
لكن الطريق أمام شاومي ليس خاليًا من التحديات: المنافسة شرسة، توقعات الربحية قد تتغير، وتعزيز الحضور الدولي ليس أمرًا سهلاً.
إذا نجحت، فقد نشهد تحولًا كبيرًا في صناعة السيارات الكهربائية: ليس فقط من جهة الأداء أو التسعير، ولكن من جهة أنظمة التشغيل، الخدمات الرقمية، والتكامل التكنولوجي.