سرقة السيارات لم تعد كما كانت في الماضي. فمع دخول السيارات الكهربائية إلى السوق، تغيّر المشهد بالكامل. ما كان لصّ السيارات يفعله خلال ثوانٍ لم يعد ممكنًا اليوم. السيارات الكهربائية ليست فقط أكثر نظافة بيئيًا، بل أيضًا أكثر ذكاءً وصعوبة في السرقة.
لكن ما الذي يجعل سرقتها معقّدة إلى هذا الحد؟
الإجابة تكمن في التفاصيل التقنية التي تميّزها عن السيارات التقليدية.
أنظمة إلكترونية مترابطة بالكامل تمنع سرقة السيارات الكهربائية
أول ما يميز السيارة الكهربائية هو أنها ليست مجرد محرك وبطارية، بل نظام رقمي مترابط يضم عشرات وحدات التحكم والبرمجيات.
في السيارات التقليدية، يمكن تشغيل المحرك بطرق بديلة مثل نسخ المفتاح أو توصيل الأسلاك مباشرة. أما في السيارات الكهربائية، فالمحرك لا يعمل إلا بعد أن يتعرّف على سلسلة من الرموز الرقمية المولّدة داخل نظام التشغيل المركزي.
كل جزء في السيارة — من البطارية إلى العجلات — متصل بشبكة داخلية مشفّرة، وأي محاولة لفصلها أو العبث بها تؤدي إلى تعطيل كامل النظام.
نظام التشفير يمنع التشغيل اليدوي
في السيارات الكهربائية الحديثة، يُخزّن “مفتاح التشغيل” داخل وحدة تشفير ذكية، تتواصل مع السيارة عبر تردد مشفّر لا يمكن نسخه بسهولة.
بمعنى آخر، حتى لو حصل السارق على نسخة إلكترونية من المفتاح، فلن تعمل إلا إذا تم التحقق من مطابقة الشيفرة الداخلية في كل مرة.
هذه التقنية تشبه ما يُستخدم في الهواتف الذكية عند فك القفل ببصمة أو وجه المستخدم. النظام يتحقق من الهوية أولًا، ثم يسمح بالتشغيل.
وبما أن كل سيارة كهربائية تحمل شيفرة فريدة لا يمكن نسخها أو تعديلها بدون مصادقة المصنع، تصبح محاولة سرقتها أقرب إلى اختراق بنكي منها إلى عملية سرقة تقليدية.
غياب نظام التشغيل الميكانيكي
من الأسباب الجوهرية أيضًا أن السيارات الكهربائية لا تحتوي على نظام تشغيل ميكانيكي مباشر يمكن تجاوزه.
في السيارات القديمة، كان يمكن للسارق إدخال مفتاح معدني مزيّف أو وصل الأسلاك لتشغيل المحرك.
أما في السيارات الكهربائية، فكل أوامر التشغيل تمر عبر نظام برمجي داخلي. هذا يعني أن أي محاولة تشغيل خارجية لا تُرسل الإشارات الصحيحة إلى وحدة التحكم، وبالتالي لا يمكن للمحرك الكهربائي أن يبدأ.
حتى لو تم الوصول فعليًا إلى داخل السيارة، فإنها تبقى “ميتة” من الناحية التقنية بدون مصادقة رقمية صحيحة.
الاعتماد على البرمجيات السحابية لتجنب سرقة السيارات الكهربائية
معظم السيارات الكهربائية الحديثة متصلة بالإنترنت بشكل دائم.
هذا الاتصال ليس فقط لتحديث البرمجيات السحابية أو عرض الخرائط، بل أيضًا لتأمين السيارة ضد السرقة.
فعند محاولة فتحها بوسيلة غير مصرح بها، تُرسل السيارة إشعارًا فوريًا إلى الخادم السحابي للشركة المصنعة، ويتم تحديد موقعها بدقة في الوقت الحقيقي.
بعض الشركات مثل تسلا وبولستار تمتلك القدرة على إيقاف السيارة عن بُعد، بحيث لا يمكن للسارق قيادتها حتى لو تمكن من الدخول إليها.
وهذا وحده كافٍ لجعلها واحدة من أكثر المركبات صعوبة في السرقة حول العالم.
أنظمة التتبع الذكية المدمجة
تأتي السيارات الكهربائية عادة مزوّدة بأنظمة تتبع مدمجة داخل هيكلها لا يمكن تعطيلها بسهولة.
فهي ليست أجهزة GPS بسيطة يمكن فصلها، بل جزء من شبكة التحكم نفسها.
بمجرد أن تتحرك السيارة من موقعها دون إذن، تبدأ بإرسال إشارات مستمرة إلى الشركة وإلى تطبيق المالك على الهاتف.
وهذه الإشارات مشفّرة ولا يمكن إيقافها حتى بعد محاولة فصل البطارية، لأن هناك بطارية احتياطية صغيرة مخصصة لتغذية النظام الأمني فقط.
غياب السوق السوداء لقطع الغيار
في السيارات التقليدية، كان بإمكان اللصوص تفكيك السيارة وبيع قطعها بسهولة في السوق السوداء.
لكن في السيارات الكهربائية، الأمر أكثر تعقيدًا.
كل بطارية ومحرك ووحدة تحكم مسجّلة برقْم تسلسلي خاص، مرتبط مباشرة برقم هيكل السيارة.
وأي محاولة لبيع هذه القطع بشكل مستقل يمكن تتبعها بسهولة.
هذا يعني أن سرقة سيارة كهربائية لا تعود مجدية اقتصاديًا، لأن القطع لا يمكن استخدامها في سيارة أخرى دون كشفها من قبل النظام.
تحديثات الأمان عبر الإنترنت عند سرقة السيارات الكهربائية
ميزة أخرى تجعل هذه السيارات صعبة السرقة هي القدرة على تلقي تحديثات أمان مستمرة عبر الإنترنت.
الشركات المنتجة تستطيع إصلاح أي ثغرة في نظام الأمان فور اكتشافها، دون الحاجة إلى زيارة مركز الخدمة.
بمعنى أن السيارة تتعلّم وتتحسن بمرور الوقت، ما يجعل محاولة اختراقها أصعب مع كل تحديث جديد.
هذه الميزة تشبه نظام الحماية في الهواتف الحديثة، حيث تتغير شيفرات الأمان بشكل دوري لمنع أي محاولة وصول غير مصرح بها.

أنظمة الدخول الذكية المعتمدة على الهاتف
العديد من السيارات الكهربائية الحديثة تعتمد على الهاتف الذكي كمفتاح رقمي.
السيارة لا تفتح إلا إذا كان الهاتف المسجل قريبًا منها، ويتم التحقق من الهوية عبر بصمة المستخدم أو كلمة مرور.
حتى لو حاول شخص نسخ الإشارة اللاسلكية، فلن تنجح الطريقة، لأن السيارة تتحقق من توقيت الإشارة وموقعها الجغرافي بدقة.
وبهذا أصبحت السرقة الإلكترونية شبه مستحيلة، خاصة وأن أنظمة المصادقة تعتمد على أكثر من عامل واحد (Multi-factor authentication).
تصميم أمني مدمج من البداية
الفارق الجوهري بين السيارات الكهربائية والتقليدية هو أن الأولى تم تصميمها رقميًا بالكامل من البداية.
الأمان ليس ميزة أضيفت لاحقًا، بل جزء من بنية السيارة.
المهندسون في الشركات المصنّعة يختبرون نظام التشغيل في بيئات تحاكي محاولات الاختراق، ويضيفون طبقات حماية متراكبة.
وحتى إذا نجح أحد في اختراق طبقة معينة، هناك نظام آخر يمنع الوصول الكامل إلى وظائف السيارة الحيوية.
أمان البرمجيات يوازي أمان البنوك
كثير من أنظمة التشفير في السيارات الكهربائية مستوحاة من بروتوكولات البنوك العالمية.
المفاتيح الرقمية مشفّرة بخوارزميات AES-256، وهي نفس الدرجة من الحماية المستخدمة في أنظمة الدفع الإلكتروني.
هذا يعني أن اختراقها يتطلب قدرات حاسوبية هائلة ووقتًا غير عملي تمامًا.
وبالنسبة للّصوص التقليديين، فإن الأمر ببساطة لا يستحق العناء.
ومع ذلك… ليست محصنة تمامًا
رغم كل هذا، لا يمكن القول إن السيارات الكهربائية مستحيلة السرقة.
فبعض المحاولات حصلت بالفعل، لكن أغلبها لم تنجح أو تم تعقّبها بسرعة.
في النهاية، الأمان الكامل غير موجود، لكن هذه السيارات تبقى أكثر صعوبة في السرقة بأضعاف مقارنة بالسيارات التقليدية.
المفارقة أن التقنية التي جعلت السيارات الكهربائية ممكنة، هي نفسها التي جعلت سرقتها شبه مستحيلة.