تطورت السيارات الكهربائية بسرعة خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت خيارًا رئيسيًا للتنقل المستدام حول العالم. ومع هذا التطور، ظهرت تحديات جديدة، أبرزها حرائق السيارات الكهربائية اي البطاريات. السبب ليس عشوائيًا، بل مرتبط بشكل مباشر بتطور تكنولوجيا البطاريات وتركيز بعض الشركات على الأداء العالي أحيانًا على حساب السلامة. وفقًا لتقارير صناعة السيارات، فإن الحوادث المرتبطة بالبطاريات تمثل أقل من 1% من إجمالي السيارات الكهربائية، لكنها تحظى بتغطية إعلامية واسعة بسبب شدتها وسرعة انتشارها.
البطاريات الليثيوم أيون: قلب السيارة الكهربائية
أغلب السيارات الكهربائية الحديثة تعتمد على بطاريات الليثيوم أيون، نظرًا لكثافة الطاقة العالية والقدرة على توفير مدى طويل للسيارة (أحيانًا أكثر من 600 كيلومتر للشحنة الواحدة). لكن هذه الكثافة تأتي مع تحديات:
- حرارة مرتفعة: عند الشحن السريع أو الاستخدام المكثف مثل القيادة على طرق جبلية أو مرتفعة الحرارة، يمكن أن تصل درجة حرارة البطارية إلى أكثر من 60 درجة مئوية، وهو مستوى قد يؤدي إلى تدهور سريع للخلايا.
- اختلال الكيمياء الداخلية: أي خلل في توازن الإلكتروليت أو الجزيئات داخل الخلايا يمكن أن يتسبب في ماس كهربائي داخلي، مسبّبًا شرارة أو اندلاع حريق.
- تصميم البطارية: حجم الخلايا، كثافتها، وكيفية ترتيبها يؤثر بشكل مباشر على قدرة التبريد والتوازن الحراري. سيارات مثل تسلا موديل S وNIO ET7 اعتمدت على نظام تبريد سائل متقدم لتقليل هذه المخاطر.
الأداء مقابل السلامة: معضلة المصنّعين
مع تزايد المنافسة في سوق السيارات الكهربائية، تسعى الشركات لتقديم سيارات بمدى أطول وتسارع أعلى. هذا يضع ضغطًا على البطاريات:
- الشحن السريع: المستخدمون يريدون شحن السيارة من 10% إلى 80% خلال 20–30 دقيقة، لكن الشحن بهذه السرعة يولد حرارة أكبر مقارنة بالشحن التقليدي.
- زيادة الطاقة المخزنة: كلما زادت سعة البطارية (مثل 100 كيلوواط ساعة)، زادت كمية الطاقة المخزنة، وبالتالي احتمالية حدوث مشكلة عند خلل تقني أو اصطدام.
- التصميم المضغوط: لتقليل حجم السيارة وزيادة المساحة الداخلية، يتم ضغط الخلايا في مساحات صغيرة، مما يقلل من تهوية الحرارة ويزيد من خطر التسخين المفرط.
هذا التوازن بين الأداء والسلامة يمثل تحديًا مستمرًا لكل شركات تصنيع السيارات الكهربائية.
أسباب حرائق السيارات الكهربائية الشائعة
تحليل الحوادث الأخيرة كشف بعض الأسباب الرئيسية لحرائق السيارات الكهربائية:
- عيوب التصنيع: شقوق صغيرة أو شوائب في خلايا البطارية يمكن أن تؤدي إلى ماس كهربائي داخلي. على سبيل المثال، بعض الحوادث في بطاريات نيسان ليف القديمة كانت نتيجة وجود شوائب دقيقة أثناء التصنيع.
- الشحن غير المناسب: استخدام شواحن غير متوافقة أو الشحن في حرارة مرتفعة قد يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة البطارية بشكل كبير.
- الاصطدامات: ضرب البطارية مباشرة في الحوادث المرورية قد يتسبب في شرارة أو تسرب المواد الكيميائية داخل الخلايا.
- إدارة الحرارة غير الكافية: بعض السيارات القديمة لم تكن مجهزة بأنظمة تبريد متقدمة، ما يجعل البطارية أكثر عرضة للاحتراق عند ظروف الاستخدام القصوى.
تطور نظام إدارة البطارية (BMS)
لتقليل المخاطر، تعتمد السيارات الحديثة على نظام إدارة البطارية (Battery Management System – BMS) التي:
- تراقب درجة الحرارة لكل خلية بشكل فردي.
- تتحكم في الشحن والتفريغ لتفادي التسخين المفرط أو التفريغ العميق.
- تفصل البطارية تلقائيًا عند وجود خلل كهربائي أو حراري.
هذه الأنظمة تسمح بالتدخل المبكر قبل حدوث أي خطر، وتساعد على إطالة عمر البطارية بشكل ملحوظ. بعض النماذج الحديثة يمكنها تعديل توزيع الطاقة بين الخلايا لتحسين التوازن الحراري حتى أثناء القيادة على طرق مرتفعة الحرارة.
المواد الكيميائية الحديثة: قوة وسرعة ولكن مع مخاطر
البطاريات الحديثة تستخدم مزيجًا من الليثيوم والنيكل والكوبالت والمنجنيز لتحقيق كثافة طاقة عالية. هذه التركيبة تمنح السيارة مدى أطول وتسارع أسرع، لكنها تصبح أكثر حساسية للحرارة والصدمات.
- البطاريات ذات النيكل العالي توفر أداءً أفضل ومدى أطول، لكنها أكثر عرضة للاشتعال عند ارتفاع الحرارة.
- البدائل مثل بطاريات الليثيوم فوسفات الحديد (LFP) أقل خطورة على السلامة، لكنها أقل كثافة طاقة، ما يقلل المدى.
البحث مستمر للوصول إلى توازن بين الأداء والسلامة عبر تطوير مواد أكثر استقرارًا وطرق تبريد محسّنة.
تبريد البطارية: تقنيات حديثة لتجنب حرائق السيارات الكهربائية

تستخدم السيارات الكهربائية أنظمة تبريد متقدمة للحفاظ على سلامة البطارية:
- سائل التبريد المباشر: يمر حول الخلايا لامتصاص الحرارة الزائدة.
- تصميم القنوات الهوائية: يسمح بتدفق الهواء بين الخلايا لتقليل تراكم الحرارة.
- مراقبة ذكية: أجهزة استشعار لكل خلية تقوم بتنبيه النظام عند ارتفاع درجة الحرارة بشكل غير طبيعي.
على سبيل المثال، سيارات تسلا موديل 3 تستخدم مزيجًا من التبريد بالسائل والهواء لتقليل احتمالية الاحتراق أثناء الشحن السريع في الصيف.
الأمثلة الواقعية: دروس من حرائق السيارات الكهربائية
التحقيقات في الحوادث الأخيرة أظهرت نمطًا متكررًا:
- الشحن السريع في حرارة مرتفعة تسبب في ارتفاع درجة حرارة البطاريات وإشعال الحرائق.
- الرطوبة أو الأوساخ المتراكمة في البطارية تؤدي إلى ماس كهربائي داخلي.
- الضربات أو الحوادث المرورية كانت السبب المباشر في بعض الحوادث، حيث تتأثر خلايا البطارية مباشرة.
توضح هذه الأمثلة أن البطارية عالية الأداء تحتاج دائمًا إلى إدارة ذكية وصيانة دقيقة، وأن السرعة وحدها ليست كافية لضمان السلامة و تجنب حرائق السيارات الكهربائية.
المستقبل: بطاريات أكثر أمانًا وكفاءة
الباحثون يعملون على:
- بطاريات صلبة (Solid-state): تمنع التسرب أو الاشتعال، مع تحسين الأداء والمدة.
- مواد أكثر أمانًا: مثل LFP أو مواد مركبة تمنع الاحتراق الذاتي.
- شحن ذكي متكيف: يتفاعل مع درجة الحرارة والبيئة لضمان الشحن الآمن.
هذه التطورات ستساعد السيارات الكهربائية على الجمع بين الأداء العالي والسلامة بشكل أفضل، دون التضحية بالمدى أو السرعة.
خلاصة
حرائق السيارات الكهربائية ليست حادثًا عشوائيًا، بل نتيجة تفاعل معقد بين كيمياء البطارية، التصميم، الأداء، ونظم الإدارة.
مع تزايد الطلب على الأداء العالي، يجب على المستخدمين والمصنعين مراعاة التوازن بين السرعة، المدى، والسلامة.
البطاريات الحديثة “مختطفة” أحيانًا بأداء أعلى، لكن التقنيات الجديدة، الإدارة الذكية، والمواد الآمنة تجعل المستقبل أكثر أمانًا.