في خطوة تعكس حجم التحديات التي تواجهها شركات صناعة السيارات التقليدية في العصر الكهربائي، شركة فولفو تسجّل خسائر مالية خلال الربع الأخير، نتيجة ارتفاع التكاليف المرتبطة بالتحول إلى المركبات الكهربائية، بالإضافة إلى الرسوم الجمركية المفروضة على الصادرات، خصوصًا تلك المتجهة من الصين إلى أوروبا وأمريكا. وتطرح هذه التطورات تساؤلات جوهرية حول قدرة فولفو على الحفاظ على ريادتها التاريخية، في ظل منافسة شرسة، وتكاليف إنتاج مرتفعة، ومشهد تنظيمي متغير.
الخسائر المالية: الأرقام تتحدث
أظهرت التقارير المالية أن شركة فولفو تكبّدت خسارة صافية خلال الربع الثاني من عام 2025، رغم ارتفاع جزئي في حجم المبيعات الإجمالية. ويعود السبب الرئيسي في هذه الخسارة إلى الاستثمارات المكثفة التي ضختها الشركة في تطوير السيارات الكهربائية، وإنشاء سلاسل توريد خضراء، بالإضافة إلى تبعات الرسوم الجمركية الجديدة على السيارات المستوردة من الصين، حيث تمتلك فولفو مصانع رئيسية.
وتُقدَّر الخسارة التشغيلية للشركة خلال هذا الربع بـ 1.1 مليار كرونة سويدية، مقارنة بأرباح كانت قد سجلتها في نفس الفترة من العام السابق. وعلى الرغم من ارتفاع المبيعات بنسبة 3%، إلا أن تكاليف التشغيل، وسعر المواد الخام، والضرائب المستجدة، قلّصت هامش الربح بشكل حاد.
السيارات الكهربائية: فرصة مربكة
لطالما كانت فولفو من أوائل الشركات الأوروبية التي أعلنت بشكل واضح نيتها التحول الكامل إلى السيارات الكهربائية بحلول عام 2030. لكن الطريق نحو هذا التحول يبدو محفوفًا بالتحديات، حيث تشير البيانات إلى أن تكلفة تصنيع السيارة الكهربائية الواحدة لا تزال أعلى بكثير من تكلفة السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي، بسبب أسعار البطاريات، والحاجة لتقنيات جديدة، وتأهيل الموظفين.
رغم كل ذلك، ارتفعت مبيعات فولفو من السيارات الكهربائية بنسبة 13%، لكن هذه الزيادة لم تكن كافية لتعويض التكاليف الاستثمارية الثقيلة، ولا لتغطية الخسائر الناتجة عن اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف الشحن.
الرسوم الجمركية وتأثيرها
واحدة من أبرز العوامل التي أثرت على أداء فولفو في الفترة الأخيرة هي الرسوم الجمركية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على السيارات الصينية الصنع. ورغم أن فولفو شركة سويدية، إلا أن العديد من سياراتها الكهربائية يتم تصنيعها في الصين عبر مصانع تابعة لها، مثل مصنع “لوتشياو”، الذي ينتج طراز “EX30” الكهربائي.
القرار الأوروبي برفع الرسوم إلى 38.1% على بعض السيارات الكهربائية الصينية، جعل فولفو تعيد التفكير في استراتيجياتها التصديرية، وتفكر في نقل جزء من الإنتاج إلى أوروبا، وهو ما يتطلب استثمارات ضخمة جديدة. كما أن الولايات المتحدة فرضت تعريفات جمركية إضافية على الواردات الصينية، ما أضعف تنافسية فولفو في السوق الأمريكي أيضًا.
تحديات سلاسل التوريد
إضافة إلى الرسوم، تعاني فولفو مثلها مثل العديد من الشركات من اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، خاصة فيما يتعلق ببطاريات الليثيوم والكوبالت والمعادن النادرة، والتي تُعد عناصر أساسية في تصنيع السيارات الكهربائية. وتشير تقارير إلى أن النقص العالمي في هذه المواد تسبب في تأخير تسليم الطلبات، ورفع التكاليف النهائية.
أيضًا، تسعى فولفو إلى تقليل اعتمادها على المورّدين الصينيين في قطاع البطاريات، مما يزيد الضغوط على الشركة لبناء سلاسل توريد محلية أو أوروبية، وهو ما يتطلب وقتًا وتمويلاً.
التحديات التكنولوجية والبرمجية
في ظل تحوّل السيارات إلى أجهزة ذكية متصلة، تواجه فولفو تحديات في مجال البرمجيات والأنظمة الذكية. فقد تعرضت بعض الطرازات الكهربائية الجديدة لمشاكل في الأنظمة البرمجية، ما دفع الشركة إلى إصدار تحديثات عاجلة، الأمر الذي أضر بسمعة بعض المنتجات.
وتسعى فولفو حالياً إلى تطوير نظام تشغيل خاص بها للسيارات الكهربائية، بدلًا من الاعتماد على نظم شركات خارجية مثل “Google Android Automotive”، ولكن هذا التحول التقني يتطلب استثمارات هائلة، وجذب مهندسين متخصصين في الذكاء الاصطناعي، وواجهات الاستخدام.
رهان فولفو على المستقبل

رغم هذه الصعوبات، لا تنوي فولفو التراجع عن مسارها نحو التحول الكهربائي الكامل. فالشركة تؤكد التزامها بخطتها التي تهدف إلى التحول بنسبة 100% إلى السيارات الكهربائية بحلول عام 2030، وإلى أن تكون شركة محايدة مناخيًا بحلول 2040.
كما أعلنت عن إطلاق مصنع جديد في بلجيكا لتجميع السيارات الكهربائية، بما في ذلك طرازات مخصصة للأسواق الأوروبية، بهدف تقليل تأثير الرسوم الجمركية الصينية، والابتعاد عن نقاط الضغط الجيوسياسي.
المنافسة الحادة
ما يزيد الضغط على فولفو هو احتدام المنافسة في سوق السيارات الكهربائية، ليس فقط من الشركات الأوروبية مثل “مرسيدس” و”بي إم دبليو“، بل من العلامات الصينية مثل BYD وNio وXPeng، التي تقدم سيارات بأسعار أرخص وبتقنيات متقدمة.
ومع دخول شركات التكنولوجيا الكبرى مثل “آبل” و”شاومي” إلى السوق، يتزايد الضغط على شركات السيارات التقليدية لتقديم حلول ذكية ومرنة ومتصلة، وهو ما لم تتمكن فولفو من تحقيقه بنفس الوتيرة بعد.
موقف المستثمرين والأسواق
أثّرت النتائج المالية السلبية على ثقة المستثمرين، حيث تراجعت أسهم فولفو بنسبة 7% بعد إعلان النتائج. وأشارت بعض التقديرات إلى أن الشركة ستحتاج إلى خطة تقشف مرحلية، وإعادة تقييم أولوياتها الاستثمارية لتجنب المزيد من النزيف المالي في المستقبل القريب.
ما الذي يجب على فولفو فعله؟
يرى محللون أن فولفو أمامها عدة خطوات ضرورية للخروج من هذه المرحلة الحساسة، أبرزها:
- تنويع مواقع الإنتاج لتقليل الاعتماد على الصين وتفادي الرسوم الجمركية.
- تطوير سلاسل التوريد الأوروبية للبطاريات والقطع الأساسية.
- تخفيض التكاليف التشغيلية دون المساس بالجودة.
- الاستثمار في البرمجيات والتقنيات الذكية لتقديم تجربة رقمية متقدمة للعملاء.
- تحالفات استراتيجية مع شركات برمجيات وتقنيات الطاقة المتجددة لتسريع التحول الكهربائي.
هل المستقبل لا يزال مشرقًا؟
رغم كل التحديات، لا تزال فولفو تملك أوراقًا قوية، فهي علامة تجارية معروفة بجودتها العالية، وسلامة منتجاتها، واهتمامها بالاستدامة. كما أن التزامها الصارم بالتحول إلى السيارات الكهربائية يمنحها موثوقية بيئية في نظر المستهلكين والمستثمرين.
لكنّ الطريق لن يكون سهلًا. فالفترة القادمة ستكون حاسمة في قدرة الشركة على التكيّف مع المتغيرات السريعة في السوق، وتحقيق التوازن بين التكاليف المرتفعة وتحقيق الأرباح المستدامة.
فولفو تسجّل خسائر مالية تجسد الوجه الآخر من معادلة التحول إلى السيارات الكهربائية: الفرص الكبيرة التي يصحبها تحديات لا تقل ضخامة. وبينما يسير العالم نحو مستقبل خالٍ من الانبعاثات، تواجه فولفو اختبارات جدية على مستوى التكلفة، الإنتاج، البرمجيات، والعلاقات الدولية.
لكن إن نجحت فولفو في تحويل هذه الأزمة إلى فرصة، فقد تعزز مكانتها كأحد روّاد التحول الكهربائي في أوروبا والعالم، وتثبت أن الطريق إلى الاستدامة ليس سهلًا، لكنه يستحق العناء.