شركة بي واي دي الصينية تواصل توسيع نطاق تقنياتها في عالم السيارات الهجينة، وهذه المرة بخطوة جريئة وغير متوقعة.
الإعلان الأخير عن سيارة Song Pro Super Hybrid لم يكن مجرد تحديث لموديل سابق، بل يمثل بداية مرحلة جديدة تجمع بين الطاقة الكهربائية والوقود الحيوي في نظام واحد.
هذه الخطوة تفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة: لماذا تتجه BYD نحو الوقود الحيوي في وقت تتجه فيه معظم الشركات إلى الكهرباء الكاملة؟ وهل يمكن أن تكون هذه التقنية جسرًا فعليًا نحو سيارات أكثر استدامة؟
مفهوم جديد للسيارة الهجينة
لسنوات، ارتبط اسم BYD بالسيارات الكهربائية والهجينة القابلة للشحن، لكنها الآن تدخل مجالًا جديدًا.
طراز Song Pro Super Hybrid لا يعتمد فقط على الدمج التقليدي بين محرك بنزين ومحرك كهربائي، بل أُضيف إليه عنصر ثالث هو الوقود الحيوي — نوع من الوقود المستخرج من مصادر عضوية مثل النباتات أو الزيوت الطبيعية.
الفكرة بسيطة لكنها ذكية: تقليل الانبعاثات حتى عندما يستخدم السائق المحرك الحراري، وجعل السيارة أكثر توافقًا مع المعايير البيئية المستقبلية.
لماذا الوقود الحيوي؟
الوقود الحيوي ليس تقنية جديدة، لكنه ظل لفترة طويلة محدود الاستخدام بسبب التكلفة وصعوبة الإنتاج على نطاق واسع.
الآن، ومع تزايد الضغوط الدولية على خفض انبعاثات الكربون، تبحث الشركات عن بدائل عملية تساعد على تقليل البصمة البيئية دون الاعتماد الكامل على الكهرباء.
وهنا وجدت BYD فرصة لتقديم حل وسط: سيارة هجينة تستخدم الكهرباء في التنقل اليومي، وتستعين بالوقود الحيوي في الرحلات الطويلة أو في المناطق التي لا تتوفر فيها محطات شحن بسهولة.
محرك ذكي مزدوج الأنظمة
سيارة Song Pro Super Hybrid مزودة بمحرك كهربائي قوي يعتمد على نظام BYD الشهير DM-i Super Hybrid، الذي أثبت كفاءته في العديد من الطرازات السابقة.
الجديد هنا هو تطوير المحرك الحراري ليعمل بكفاءة عالية مع أنواع مختلفة من الوقود، بما في ذلك الوقود الحيوي النقي أو المخلوط.
النظام يتيح للسيارة التبديل الذكي بين الكهرباء والوقود الحيوي بناءً على ظروف القيادة، مما يقلل استهلاك الطاقة والانبعاثات في الوقت نفسه.
في الاستخدام العادي داخل المدن، تعتمد السيارة على المحرك الكهربائي بنسبة كبيرة، ما يجعلها هادئة وفعالة.
أما على الطرق السريعة، فيبدأ المحرك الحراري بالعمل لدعم الأداء وتوفير مدى أطول — وهذه المرونة هي ما يمنح السيارة تميزها.
المدى الكهربائي وتحسين الكفاءة
بحسب بيانات الشركة، يمكن للسيارة قطع ما بين 80 إلى 120 كيلومترًا باستخدام الكهرباء فقط، قبل أن يتحول النظام إلى الهجين الكامل.
وعند استخدام كلا النظامين معًا، يصل المدى الإجمالي إلى أكثر من 1000 كيلومتر، وهو رقم مثير للإعجاب في فئة السيارات المتوسطة.
التحسينات في إدارة الطاقة داخل النظام الهجين الجديد تجعل استهلاك الوقود منخفضًا إلى أقل من 4 لترات لكل 100 كيلومتر، وهي كفاءة تضع السيارة في مقدمة المنافسين.
تصميم عملي مع لمسات عصرية
من الخارج، تأتي Song Pro Super Hybrid بتصميم بسيط وأنيق يشبه أسلوب BYD المعروف في موديلاتها الحديثة.
الشبك الأمامي تم تحديثه بخطوط أكثر انسيابية، بينما أضيفت لمسات معدنية على الأطراف لإبراز الطابع الفاخر.
الإضاءة الأمامية تعتمد على تقنية LED بالكامل، مع توقيع ضوئي مميز يذكّر بتصاميم السيارات الأوروبية.
أما في الداخل، فالتصميم يركز على الراحة والتقنية.
شاشة وسطية دوارة بمقاس 15.6 بوصة، لوحة عدادات رقمية، وواجهة نظام تشغيل حديثة تدعم الأوامر الصوتية والاتصال السلس بالهواتف.
BYD ركزت على جودة المواد، مع استخدام الجلد الصناعي واللمسات الناعمة على الأبواب والمقاعد، لتمنح السيارة إحساسًا راقيًا رغم سعرها المتوسط.
التقنية وراء “Super Hybrid”
نظام DM-i Super Hybrid الذي تطوره BYD أصبح علامة فارقة في الصناعة.
يعتمد هذا النظام على الدمج الذكي بين المحرك الكهربائي والمحرك البنزين لتوفير أقصى كفاءة ممكنة.
لكن في نسخة Song Pro الجديدة، تمت إضافة برمجيات جديدة تتيح للمحرك التعامل مع أنواع وقود مختلفة — وهو ما جعل استخدام الوقود الحيوي ممكنًا دون أي تعديلات كبيرة في التصميم.
التحكم في الطاقة يتم بواسطة وحدة إلكترونية متقدمة تقوم بتحليل أسلوب القيادة، سرعة الطريق، ومستوى البطارية، لتقرر في كل لحظة أي مصدر طاقة هو الأنسب.
هذا التفاعل الدقيق بين الأنظمة يجعل القيادة أكثر سلاسة ويوفر استجابة فورية عند التسارع.
بيئة أنظف دون انتظار المستقبل الكهربائي الكامل
في الوقت الذي تندفع فيه الشركات نحو السيارات الكهربائية بالكامل، تواجه السوق تحديات كبيرة:
محطات الشحن غير الكافية، ارتفاع تكلفة البطاريات، وتأثير التعدين على البيئة.
BYD تدرك هذه التحديات، ولذلك تقدم خيارًا أكثر توازنًا: سيارة هجينة متقدمة تعمل جزئيًا بالوقود الحيوي، ما يعني تقليل الانبعاثات دون الاعتماد الكامل على البنية التحتية الكهربائية.
بهذه الخطوة، لا تكتفي الشركة بمجاراة السوق، بل تحاول أن تقدم بديلًا واقعيًا يناسب دولًا كثيرة لا تزال في مراحل مبكرة من التحول إلى الطاقة النظيفة.
هل يمكن أن تنتشر هذه التقنية عالميًا؟
الوقود الحيوي قد يبدو خيارًا مثاليًا في بعض المناطق، لكنه يواجه عقبات تتعلق بتوفّره وتكلفته.
في أوروبا والولايات المتحدة، يُستخدم الوقود الحيوي بنسب محدودة ضمن خليط البنزين، لكن في آسيا وأمريكا الجنوبية، حيث الزراعة متوفرة، يمكن إنتاجه بكميات أكبر.
لذلك، من المرجح أن تركز BYD في البداية على الأسواق المحلية والإقليمية مثل الصين وجنوب شرق آسيا، حيث توجد بنية تحتية تسمح بتجربة التقنية الجديدة.
لكن النجاح هناك قد يشجعها لاحقًا على توسيع التجربة عالميًا، خاصة إذا استجابت الحكومات بدعم هذه الأنواع من الوقود الصديق للبيئة.
بين الكهرباء والوقود الحيوي: توازن ذكي
فكرة الجمع بين الكهرباء والوقود الحيوي ليست مجرد اتجاه مؤقت، بل تمثل طريقة ذكية لمرحلة انتقالية نحو مستقبل أكثر استدامة.
الكهرباء وحدها لا يمكن أن تكون الحل الفوري في جميع المناطق، والوقود الحيوي يمكن أن يلعب دورًا مساعدًا حتى تتطور البنية التحتية للشحن الكهربائي أكثر.
BYD تفكر بهذه الطريقة الواقعية.
هي لا تقول إنها تتخلى عن السيارات الكهربائية، بل تؤكد أنها تعمل على تنويع مصادر الطاقة لتقليل الانبعاثات من جميع الزوايا الممكنة.
السعر والفئة المستهدفة
رغم عدم إعلان السعر الرسمي بعد، تشير التوقعات إلى أن Song Pro Super Hybrid ستكون ضمن الفئة المتوسطة، أي بين 22 ألف و28 ألف دولار أمريكي تقريبًا.
بهذا السعر، تنافس سيارات مثل Toyota Corolla Cross Hybrid وHonda HR-V Hybrid، لكنها تقدم مدى أطول بفضل دعم الوقود الحيوي ونظام الطاقة المتطور.
BYD تراهن على أن المستخدمين الذين يريدون سيارة اقتصادية، صديقة للبيئة، وسهلة الصيانة، سيجدون في هذا الطراز خيارًا منطقيًا أكثر من السيارات الكهربائية البحتة.
خلاصة
سيارة BYD Song Pro Super Hybrid ليست مجرد سيارة هجينة جديدة، بل تجربة مختلفة في عالم الطاقة النظيفة.
الدمج بين الكهرباء والوقود الحيوي يقدم نموذجًا عمليًا لتقليل الانبعاثات دون التضحية بالأداء أو المدى.
الشركة تثبت مجددًا أنها من أكثر المصنعين جرأة في تجربة أفكار جديدة، وأن مستقبل السيارات قد لا يكون كهربائيًا بالكامل، بل متعدد الحلول.
في النهاية، قد تكون هذه السيارة بداية لجيل جديد من السيارات “الواقعية” التي توازن بين البيئة والتكلفة والاعتمادية.
فبدلًا من انتظار مستقبل كهربائي مثالي، BYD اختارت أن تخلق طريقًا خاصًا بها نحو الاستدامة — بخطوات محسوبة، وبتقنية تجمع الذكاء بالبساطة.