الارتفاع الملحوظ لمبيعات السيارات الكهربائية في الدول النامية

Photo of author

By Sihem Braiek

في السنوات الأخيرة، العالم يشهد تحوّل كبير نحو السيارات الكهربائية. ما كان يُعتبر خياراً نخبوياً أو محصوراً في أسواق مثل أوروبا وأمريكا الشمالية، أصبح اليوم واقعاً في عدد متزايد من الدول النامية. هذا التحول ليس وليد الصدفة، بل نتيجة مزيج من العوامل الاقتصادية، البيئية، والسياسية. ورغم التحديات التي لا تزال قائمة، إلا أن انتشار السيارات الكهربائية في هذه الدول صار أسرع مما كان يتوقعه كثير من الخبراء. في هذا المقال سنعرض اسباب الارتفاع الملحوظ لمبيعات السيارات الكهربائية في الدول النامية.

بداية التحول: من الرفاهية إلى الضرورة

في السابق، السيارة الكهربائية كانت تُعتبر رمزاً للرفاهية. أسعارها مرتفعة، والبنية التحتية للشحن تكاد تكون معدومة في كثير من البلدان النامية. لكن خلال العقد الأخير، تغيّر المشهد. انخفاض أسعار البطاريات لعب دوراً رئيسياً في تقليص الفجوة بين تكلفة السيارة التقليدية والسيارة الكهربائية. ومع الوقت، صار الخيار الكهربائي أكثر منطقية من الناحية الاقتصادية.

تراجع أسعار البطاريات

البطارية هي المكون الأغلى في السيارة الكهربائية. في عام 2010، تكلفة الكيلوواط/ساعة من بطاريات الليثيوم-أيون كانت تتجاوز 1000 دولار. اليوم، انخفضت لأقل من 150 دولار، وبعض التوقعات تشير إلى أنها ستصل إلى 100 دولار بحلول 2027. هذا الانخفاض الهائل جعل الشركات قادرة على طرح نماذج أرخص تناسب أسواق الدول النامية.

دور الحكومات في دعم التبني

الحكومات في عدة دول نامية فهمت أن السيارات الكهربائية ليست مجرد “ترند”، بل ضرورة استراتيجية. في الهند مثلاً، هناك خطة طموحة لزيادة عدد المركبات الكهربائية بشكل كبير بحلول 2030، مع دعم مالي مباشر للمشترين. في المغرب ومصر، بدأت الحكومات في الاستثمار في محطات شحن عامة وخاصة لجذب المستخدمين. أما البرازيل، فهي تركز على تشجيع الشركات المحلية لتصنيع أجزاء من هذه السيارات لتقليل الاعتماد على الاستيراد.

الوقود التقليدي والضغط الاقتصادي

أحد أكبر الدوافع لشراء السيارات الكهربائية في الدول النامية هو تقلب أسعار الوقود. كثير من هذه الدول تعتمد على استيراد النفط، ما يجعلها عرضة للتقلبات العالمية. عندما ترتفع أسعار البنزين أو الديزل، يشعر المستهلك العادي بثقل ذلك على ميزانيته الشهرية. هنا تظهر السيارة الكهربائية كخيار أوفر على المدى الطويل، خاصة أن تكلفة الشحن بالكهرباء أقل بكثير من تعبئة خزان وقود كامل.

البنية التحتية للشحن: تحدٍ وفرصة

صحيح أن نقص محطات الشحن ما زال يشكل عائقاً، لكن الصورة تتحسن تدريجياً. شركات ناشئة في نيجيريا، كينيا، وإندونيسيا بدأت في بناء شبكات شحن محلية. بعضها يعتمد على الطاقة الشمسية لتجاوز مشكلة ضعف شبكة الكهرباء الوطنية. هذا الابتكار جعل من الممكن لمستخدمي السيارات الكهربائية أن يطمئنوا أكثر لوجود حلول عملية حتى في مناطق تفتقر للبنية التحتية المتقدمة.

وعي المستهلك يتغيّر

جيل الشباب في الدول النامية صار أكثر انفتاحاً على الخيارات المستدامة. الوعي البيئي لم يعد محصوراً في المجتمعات الغربية. اليوم، كثير من المستهلكين في أفريقيا وآسيا اللاتينية يختارون السيارة الكهربائية كرمز للحداثة، وليس فقط كأداة نقل. وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً كبيراً في نشر هذا الوعي وربط السيارات الكهربائية بمستقبل أنظف وأكثر استقراراً.

التحديات التي لا يمكن تجاهلها

رغم النمو الملحوظ، ما زالت هناك عقبات واضحة:

  • السعر المرتفع نسبياً: حتى مع انخفاض تكاليف البطاريات، السيارة الكهربائية قد تظل بعيدة عن متناول شريحة واسعة من المستهلكين.
  • غياب الثقة: كثير من المستخدمين يخشون من محدودية مدى السيارة، خصوصاً في غياب محطات شحن كافية.
  • ضعف البنية التحتية للطاقة: بعض الدول النامية تعاني من انقطاع الكهرباء بشكل متكرر، ما يجعل فكرة الاعتماد على سيارة كهربائية أقل واقعية في الوقت الحالي.

أمثلة من الواقع

  • الهند: تسعى للوصول إلى 30% من السيارات الجديدة كهربائية بحلول 2030. شركات محلية مثل Tata Motors بدأت بإنتاج نماذج منخفضة السعر تستهدف السوق المحلي.
  • كينيا: تركز على ربط السيارات الكهربائية بمشاريع الطاقة المتجددة، خصوصاً الطاقة الشمسية.
  • البرازيل: رغم قوة سوق الإيثانول لديها، بدأت الحكومة بتقديم تسهيلات للاستثمار في السيارات الكهربائية لتواكب التحول العالمي.
  • المغرب: يستثمر في تصنيع البطاريات وبناء محطات شحن، مع طموح لأن يكون مركزاً إقليمياً لتصدير السيارات الكهربائية.

مبيعات السيارات الكهربائية في الدول النامية

التحول نحو السيارات الكهربائية في هذه الدول ليس مجرد خيار بيئي، بل ضرورة اقتصادية واستراتيجية. مع استمرار انخفاض الأسعار، وزيادة استثمارات البنية التحتية، من المتوقع أن يشهد العقد القادم نمواً مضاعفاً في عدد السيارات الكهربائية.

لكن النجاح لن يعتمد فقط على الشركات أو الحكومات، بل أيضاً على قدرة المجتمعات على التكيّف مع هذا التغيير. التعليم، الوعي، والتجارب الواقعية ستلعب دوراً في بناء ثقة المستهلكين.

السيارات الكهربائية لم تعد حكراً على الأغنياء أو على الدول المتقدمة. الدول النامية بدأت تأخذ مكانها في هذا التحول العالمي. ورغم التحديات، من الواضح أن المستقبل يسير في اتجاه واحد: كهربائي أكثر، نظيف أكثر، ومرتبط بشكل مباشر باستدامة الاقتصاد والبيئة معاً.

electricarab.com

أضف تعليق