الأوروبيون يبدؤون في تقبّل السيارات الكهربائية الصينية

Photo of author

By Sihem Braiek

شهدت سوق السيارات الأوروبية خلال العقد الأخير تحولات جذرية، أبرزها الانتقال التدريجي نحو السيارات الكهربائية. لكن رغم هذه النقلة، ظلّت أسعار السيارات الكهربائية الأوروبية مرتفعة، والتقنيات أحياناً محدودة مقارنة بسرعة التطوير في الأسواق الأخرى، خصوصاً السوق الصيني. اليوم، ومع وصول السيارات الكهربائية الصينية إلى أوروبا بأسعار تنافسية وجودة متنامية، أصبح المستهلك الأوروبي يتساءل: “ولماذا لا؟”

الأسعار: نقطة التحوّل الكبرى

لا يمكن تجاهل أن السعر هو العامل الأبرز في تغيير قناعات المستهلكين الأوروبيين. على سبيل المثال، يبلغ متوسط سعر سيارة كهربائية أوروبية مدمجة من الفئة المتوسطة بين 35 و45 ألف يورو، بينما تقدّم شركات صينية مثل BYD وMG (المملوكة لشركة SAIC الصينية) سيارات كهربائية تبدأ من حدود 25 ألف يورو أو أقل، مع تجهيزات متكاملة.

هذا الفارق السعري ليس بسيطاً، خصوصاً في ظل أزمة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة في أوروبا. بالنسبة لعائلة أوروبية تبحث عن وسيلة تنقل اقتصادية وصديقة للبيئة، فإن خيار السيارة الصينية يصبح جذاباً من الناحية المالية. هنا يظهر السؤال المحوري: إذا كانت السيارة الصينية توفر المواصفات الأساسية وأكثر بسعر أقل بعشرة آلاف يورو أو أكثر، فلماذا لا يختارها المستهلك الأوروبي؟

التكنولوجيا: لم تعد حكراً على الغرب

في الماضي، ارتبطت الصورة الذهنية للمنتجات الصينية بالتقليد والجودة المنخفضة. لكن هذه الصورة تغيّرت بشكل كبير في قطاع السيارات الكهربائية. الشركات الصينية استثمرت بشكل ضخم في مجال البطاريات والتقنيات الذكية، بل أصبحت تقود الابتكار العالمي في بعض المجالات.

  • البطاريات: شركة CATL الصينية تُعد أكبر منتج للبطاريات في العالم، وتزوّد شركات أوروبية مثل مرسيدس وفولكسفاغن. هذا يعني أن الكثير من السيارات الأوروبية نفسها تعتمد على التقنية الصينية في قلبها النابض: البطارية.
  • المدى الكهربائي: بعض السيارات الصينية مثل BYD Seal وNio ET7 تقدم مدى يتجاوز 500 كيلومتر في الشحنة الواحدة، وهو رقم يتفوق على كثير من السيارات الأوروبية في نفس الفئة.
  • التقنيات الذكية: الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، أنظمة القيادة المساعدة، والشاشات المتطورة أصبح سمة أساسية في السيارات الصينية. في المقابل، ما زالت بعض الشركات الأوروبية تعتمد على أنظمة تقليدية أبطأ في التحديث.

إذن، الحديث لم يعد عن “لحاق” الصين بالتقنية الأوروبية، بل عن سباق قد تكون فيه الشركات الصينية في المقدمة.

السياسة الأوروبية: بين حماية الصناعة والانفتاح

رغم الترحيب النسبي من جانب المستهلكين، إلا أن الساحة السياسية في أوروبا أكثر تعقيداً. الاتحاد الأوروبي قلق من الدعم الحكومي الضخم الذي تقدمه بكين لشركاتها، مما يمنحها ميزة تنافسية غير عادلة. بالفعل، فتحت المفوضية الأوروبية تحقيقات في ما إذا كانت هذه الإعانات تُخلّ بقواعد المنافسة.

لكن في المقابل، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تسريع عملية التحول نحو السيارات الكهربائية لتحقيق أهدافه المناخية. إذا كان المنتج المحلي غير قادر على تلبية الطلب من حيث الكمية أو السعر، فإن السيارات الصينية تصبح جزءاً من الحل. هذا التوازن بين حماية الصناعة المحلية وتوفير خيارات ميسورة للمستهلكين يمثل معضلة سياسية واقتصادية معقدة.

تجربة المستهلك الأوروبي: من الشك إلى التجربة

في البداية، كان الكثير من الأوروبيين مترددين تجاه شراء سيارة كهربائية صينية. لكن بمرور الوقت، ومع وصول سيارات مثل MG4 أو BYD Atto 3 إلى الأسواق الأوروبية وحصولها على تقييمات إيجابية من المستهلكين والإعلام، بدأت الثقة تتشكل.

أحد الأمثلة اللافتة هو سيارة MG4، التي لاقت نجاحاً كبيراً في أسواق مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا. بسعر يبدأ من حوالي 29 ألف يورو، وبمدى كهربائي يتجاوز 350 كيلومتراً، أصبحت خياراً واقعياً للعديد من المشترين. الصحافة الأوروبية أشادت بتوازن السعر والجودة، وهو ما انعكس في أرقام المبيعات المتزايدة.

التحديات التي تواجه السيارات الصينية

معرض للسيارات الكهربائية

ورغم هذا النجاح، إلا أن الطريق أمام السيارات الصينية في أوروبا ليس مفروشاً بالورود. هناك عدة تحديات:

  1. السمعة طويلة الأمد: رغم التحسن الكبير، إلا أن بعض المستهلكين ما زالوا يرون السيارات الصينية أقل موثوقية من نظيراتها الأوروبية أو اليابانية.
  2. البنية التحتية للخدمة والصيانة: دخول السوق لا يكفي، إذ يحتاج المستهلك إلى شبكة قوية من مراكز الخدمة وقطع الغيار. هذه النقطة ما زالت نقطة ضعف لبعض الشركات الصينية في أوروبا.
  3. التوترات السياسية: إذا قرر الاتحاد الأوروبي فرض رسوم جمركية إضافية على السيارات الصينية، فقد يتغير ميزان الأسعار الذي يشكل حالياً ميزة كبرى لها.
  4. المنافسة المتزايدة: شركات أوروبية مثل فولكسفاغن وبيجو تعمل على تطوير سيارات كهربائية منخفضة التكلفة لتنافس مباشرة العروض الصينية.

الأرقام تتحدث

وفقاً لتقارير حديثة، بلغت حصة السيارات الكهربائية الصينية حوالي 8% من إجمالي مبيعات السيارات الكهربائية في أوروبا في 2024، ويتوقع أن تتجاوز 15% بحلول 2027 إذا استمر هذا النمو. في بعض الأسواق مثل النرويج، حيث تتجاوز نسبة مبيعات السيارات الكهربائية 80% من السوق، أصبحت السيارات الصينية خياراً مألوفاً على الطرقات.

الأرقام تثبت أن هذا ليس مجرد اتجاه مؤقت، بل تحول هيكلي في السوق الأوروبية.

مقارنة مباشرة: سيارة أوروبية مقابل سيارة صينية

  • فولكسفاغن ID.3 (ألمانية): سعر يبدأ من 37 ألف يورو، مدى يصل إلى 420 كم، تجهيزات تقنية جيدة لكن بتحديثات بطيئة نسبياً.
  • MG4 (صينية): سعر يبدأ من 29 ألف يورو، مدى يصل إلى 350 كم، تجهيزات تقنية متقدمة، وسعر أقل بـ 8 آلاف يورو تقريباً.

هنا يظهر بوضوح الفارق الذي يجعل المستهلك الأوروبي يعيد التفكير.

اليوم، لم يعد السؤال في أوروبا: “هل السيارات الكهربائية الصينية جيدة بما يكفي؟”، بل أصبح: “ما الذي يمنعني من شرائها إذا كانت تقدم نفس المزايا أو أكثر بسعر أقل؟”.
مع استمرار التطوير التكنولوجي، وتحسن السمعة، وازدياد الوعي البيئي، يبدو أن السيارات الصينية ستلعب دوراً محورياً في تسريع التحول الكهربائي في أوروبا.

وفي النهاية، يبقى منطق المستهلك بسيطاً: إذا كانت السيارة الصينية تحقق الغرض المطلوب، وتوفر المال، وتقدّم التقنية الحديثة، فلماذا لا؟

أضف تعليق