حرائق بطاريات الليثيوم: الكابوس الجديد لفرق الإطفاء في زمن السيارات الكهربائية

Photo of author

By Sihem Braiek

في الوقت الذي تتزايد فيه شعبية السيارات الكهربائية حول العالم بسبب مزاياها البيئية والاقتصادية، تبرز تحديات جديدة أمام الجهات المعنية بالسلامة العامة، وخصوصًا فرق الإطفاء. لم تعد حرائق السيارات التقليدية هي التهديد الوحيد، إذ أصبحت حرائق بطاريات الليثيوم في السيارات الكهربائية تمثل خطرًا معقدًا يصعب السيطرة عليه. وفي هولندا، كشفت تقارير صحفية مؤخرًا عن معاناة حقيقية لفرق الإطفاء مع هذا النوع من الحرائق، مما يثير التساؤلات حول جاهزية البنية التحتية والسلامة العامة في عصر التحول نحو التنقل الكهربائي.

ما هي المشكلة؟ ولماذا يصعب إخماد حرائق السيارات الكهربائية؟

الحرائق التي تندلع في السيارات الكهربائية تختلف جذريًا عن تلك التي تحدث في السيارات التقليدية. فبينما يمكن إطفاء وقود البنزين بالماء أو الرغوة، فإن بطاريات الليثيوم – وهي القلب النابض للسيارة الكهربائية – قد تدخل في ما يُعرف باسم التفاعل الحراري المتسلسل (Thermal Runaway)، وهو تفاعل داخلي يُطلق حرارة شديدة ويؤدي إلى اشتعال خلايا البطارية واحدة تلو الأخرى.

الأسباب الرئيسية لصعوبة الإطفاء:

  • اندماج خلايا البطارية في أرضية السيارة، ما يجعل الوصول إليها صعبًا.
  • الحرارة المرتفعة جدًا الناتجة عن اشتعال البطارية.
  • إمكانية إعادة الاشتعال حتى بعد الإطفاء بساعات.
  • انبعاث غازات سامة وقابلة للاشتعال تزيد من خطر الانفجار.
  • عدم كفاية المعدات التقليدية للتعامل مع هذا النوع من الحرائق.

حالات واقعية تؤكد الخطر

في شهر أبريل الماضي، اندلع حريق في سيارة كهربائية كانت متوقفة في مرآب تحت الأرض تابع لسوبرماركت بمدينة “إنشيده” الهولندية، ما دفع السلطات إلى إخلاء المبنى بالكامل. لم تكن هذه الحادثة الأولى، ففي يونيو نشب حريق ضخم على متن سفينة شحن كانت تنقل حوالي 500 سيارة كهربائية، ما تسبب في أضرار جسيمة وتأخير شحن البضائع.

تصريحات رسمية:

قالت “إستر ليبن”، وهي مسؤولة في فرقة العمل الوطنية المعنية بتحول الطاقة في خدمة الإطفاء الهولندية:

“شاهدت حريقًا في مرآب يقع تحت الأرض بخمسة طوابق تسبب في تدمير مبنى بأكمله بسبب صعوبة الوصول إلى السيارة الكهربائية المحترقة. أعتقد أنه يجب النظر في حظر وقوف السيارات الكهربائية تحت الأرض”.

هل نحن بحاجة إلى سياسات جديدة؟

تشير هذه الوقائع المتكررة إلى أن البنية التحتية الحالية قد لا تكون مجهزة بالشكل الكافي لمواجهة هذا النوع من الحوادث. مع تسارع وتيرة استخدام السيارات الكهربائية، تزداد الحاجة إلى:

  • تحديث بروتوكولات الإطفاء الخاصة بحرائق البطاريات.
  • توفير معدات إطفاء متخصصة قادرة على التعامل مع الليثيوم.
  • تدريب فرق الإطفاء على تقنيات حديثة لمكافحة هذه الحرائق.
  • مراجعة قوانين البناء خاصة بالنسبة للمواقف تحت الأرض.
  • وضع تعليمات خاصة لوقوف السيارات الكهربائية في الأماكن العامة والخاصة.

الحظر في المواقف تحت الأرض: حل مؤقت أم إجراء ضروري؟

تزداد الأصوات المطالبة بحظر وقوف السيارات الكهربائية في المرائب تحت الأرض بسبب صعوبة الوصول إليها أثناء نشوب الحرائق. ورغم أن هذا الحل قد يبدو منطقيًا على المدى القريب، إلا أنه يُعد إجراءً مؤقتًا لا ينسجم مع رؤية مستقبلية تشجع على التوسع في التنقل الكهربائي.

التحديات المحتملة لهذا الحظر:

  • تقليل أماكن وقوف السيارات في المدن.
  • صعوبة التنفيذ في المجمعات السكنية والأبراج الحديثة.
  • معارضة أصحاب السيارات الكهربائية لهذا القرار.
  • تأثير سلبي على مبيعات السيارات الكهربائية.

كيف يمكن تقليل مخاطر حرائق السيارات الكهربائية؟

رغم التحديات، إلا أن هناك عدة حلول قد تسهم في تقليل احتمال اندلاع الحرائق، منها:

  1. تحسين جودة البطاريات من قبل الشركات المصنعة، واعتماد بطاريات أكثر أمانًا.
  2. إجراء فحوصات دورية للبطاريات للتأكد من سلامتها.
  3. تطوير أنظمة تبريد ذكية داخل البطارية تمنع ارتفاع الحرارة.
  4. استخدام أنظمة إنذار مبكر للكشف عن ارتفاع الحرارة أو انبعاث الغازات.
  5. تركيب حساسات حرارية في المواقف تحت الأرض لسرعة الاستجابة.
حرائق بطاريات الليثيوم

موقف الشركات المصنّعة

الشركات المصنعة للسيارات الكهربائية تدافع عن سلامة سياراتها، وتؤكد أن نسبة الحرائق لا تزال أقل من السيارات التقليدية. إلا أن الاختلاف يكمن في طبيعة الحريق وليس في عدد الحوادث. ومع تطور التكنولوجيا، تعِد بعض الشركات ببطاريات صلبة أكثر أمانًا وأقل عرضة للاشتعال، لكن هذه التقنيات لا تزال قيد التجريب.

مستقبل التنقل الكهربائي يتطلب استعدادًا أكبر

التحول إلى السيارات الكهربائية هو خطوة مهمة نحو تقليل الانبعاثات وتحقيق أهداف الاستدامة، لكن هذا التحول لا يمكن أن ينجح بدون خطط شاملة للأمان والحماية. وحرائق السيارات الكهربائية تُعد تنبيهًا مبكرًا بضرورة مراجعة البنية التحتية والسياسات العامة.

بين المخاوف المشروعة والحلول الممكنة

لا شك أن حرائق السيارات الكهربائية تمثل تحديًا حقيقيًا لفرق الإطفاء في هولندا وغيرها من الدول. لكن، هذا التحدي يجب ألا يكون عائقًا أمام اعتماد الطاقة النظيفة، بل حافزًا لتطوير تقنيات أكثر أمانًا وتحسين آليات الاستجابة للطوارئ.

نحتاج إلى توازن دقيق بين الابتكار والسلامة، واستعداد شامل لمواجهة المخاطر المستقبلية. فالمستقبل كهربائي، لكن السلامة أولًا.

أضف تعليق