في خضم التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة والتقنيات المستدامة، أصبحت السيارات الكهربائية أكثر من مجرد وسيلة للتنقل؛ إذ بدأت بطاريات السيارات قادرة على إنارة بيتك و تبرز كعنصر حيوي في ثورة الطاقة، بفضل قدرتها الهائلة على تخزين الكهرباء. ومن خلال تقنية تُعرف باسم “الشحن ثنائي الاتجاه” (Bidirectional Charging)، أصبح من الممكن استخدام بطارية السيارة الكهربائية لتشغيل الأجهزة المنزلية، بل وحتى تغذية شبكة الكهرباء. ورغم الإمكانات الهائلة لهذه التقنية، فإن بعض شركات تصنيع السيارات لا تزال مترددة أو ترفض تفعيلها، ما يثير العديد من التساؤلات حول الأسباب والمخاوف الخفية وراء هذا الرفض.
ما هو الشحن ثنائي الاتجاه؟
الشحن ثنائي الاتجاه، أو ما يعرف أيضًا باسم “V2G” (Vehicle-to-Grid) و**”V2H” (Vehicle-to-Home)**، هو تكنولوجيا تتيح للسيارات الكهربائية تبادل الطاقة مع شبكة الكهرباء أو المنزل، وليس فقط شحن البطارية.
- في حالة V2H: يمكن للسيارة تزويد منزل كامل بالطاقة خلال انقطاع الكهرباء أو في أوقات الذروة.
- أما في حالة V2G: يمكن للسيارة المساهمة في دعم شبكة الكهرباء العامة، عبر تزويدها بالكهرباء المخزنة، ثم تعويضها لاحقًا عند توفر الطاقة النظيفة.
الاستخدامات المحتملة لبطاريات السيارات في المنازل والشبكات

بطاريات السيارات قادرة على إنارة بيتك كما يمكنها تخزين ما بين 50 إلى 100 كيلوواط-ساعة من الطاقة، وهي كمية كافية لتشغيل منزل عادي لمدة يومين تقريبًا. وتبرز عدة سيناريوهات مفيدة لاستخدام هذه البطاريات:
- تشغيل المنازل خلال انقطاع التيار الكهربائي:
في حالات الطوارئ مثل العواصف أو انقطاعات الكهرباء، يمكن لسيارتك الكهربائية أن تحافظ على تشغيل الإضاءة، أجهزة التبريد، وحتى الإنترنت. - تخزين الطاقة الشمسية:
إن كنت تمتلك ألواحًا شمسية، يمكن للسيارة أن تخزن فائض الطاقة خلال النهار وتعيد استخدامها ليلًا، مما يقلل الاعتماد على شبكة الكهرباء. - دعم الشبكة وقت الذروة:
في فترات الاستهلاك المرتفع، يمكن للسيارات المشاركة في تخفيف الحمل عن الشبكة الوطنية، مقابل تعويض مالي.
شركات تحتضن التقنية وأخرى ترفض
بينما بدأت بعض الشركات بالفعل في دعم هذه التقنية، مثل هيونداي وكيا وفورد ونيسان، نجد شركات بارزة مثل تسلا وجنرال موتورز وتويوتا لا تزال مترددة، أو ترفض تفعيل الشحن ثنائي الاتجاه في طرازاتها الحديثة.
الشركات الداعمة:
- فورد قدمت نظامًا متكاملًا باسم Ford Intelligent Backup Power في طراز F-150 Lightning.
- هيونداي وكيا وفرتا ميزة V2L (Vehicle to Load) في عدة طرازات مثل Ioniq 5 وEV6.
- نيسان كانت من أوائل الشركات التي اختبرت V2G في طراز Leaf منذ أكثر من عقد.
الشركات الرافضة:
- تسلا رغم كونها رائدة في المجال، لم تفعّل رسميًا ميزة الشحن العكسي، بحجة تعقيد التقنية وعدم جدواها على نطاق واسع.
- جنرال موتورز لم توفر التقنية إلا في تجارب محدودة، وتعتبرها خيارًا ثانويًا.
- تويوتا تعتمد سياسة محافظة بطيئة في التحول نحو EVs، ولا تقدم دعمًا صريحًا لتقنيات V2H أو V2G.
لماذا ترفض بعض الشركات دعم الشحن العكسي؟
1. مخاوف تتعلق بعمر البطارية
الشحن والتفريغ المتكرر يمكن أن يؤثر على دورة حياة البطارية. بعض الشركات تخشى من تقصير عمر البطارية وزيادة تكاليف الضمان.
2. التعقيدات التقنية والتكامل مع الشبكة
تطبيق تقنية V2G يتطلب وجود بنية تحتية ذكية متوافقة مع أنظمة الكهرباء، مما يزيد من التكاليف ويعقّد عمليات الصيانة والتكامل.
3. التحكم في تجربة المستخدم
الشركات تريد الحفاظ على تحكم كامل بتجربة العميل. السماح باستخدام السيارة كمصدر كهربائي خارجي قد يؤدي إلى مشاكل غير متوقعة.
4. أهداف تجارية
قد ترى بعض الشركات أن استخدام السيارة كمصدر طاقة منزلي يقلل من الحاجة إلى شراء حلول أخرى مثل بطاريات تخزين الطاقة المنزلية (Powerwall مثلًا)، مما يقلل من أرباحها في مجالات أخرى.
كيف يمكن للمستهلكين الاستفادة من هذه التقنية؟
رغم أن التقنية لم تُعتمد بعد على نطاق واسع، إلا أن بعض العملاء بدأوا فعليًا في استخدام سياراتهم كمصدر طاقة ثانوي، خاصة في المناطق المعرضة للكوارث الطبيعية أو في المنازل المزودة بأنظمة طاقة شمسية. ويمكن تحقيق أقصى استفادة باتباع التالي:
- اختيار سيارة تدعم الشحن ثنائي الاتجاه
- تركيب وحدة شحن منزلية متوافقة (Bidirectional Charger)
- الاشتراك في برامج الشبكة الذكية التي تعوضك عن تغذية الشبكة بالكهرباء
- مراقبة استهلاك البطارية لتقليل آثار التفريغ المتكرر
المستقبل: هل تصبح السيارة جزءًا من شبكة الكهرباء الذكية؟
تشير التقديرات إلى أن ملايين السيارات الكهربائية ستتواجد على الطرقات خلال العقد القادم، مما يعني وجود كميات هائلة من الطاقة المخزنة “على عجلات”. وفي حال تفعيل تقنيات V2G على نطاق واسع، فإن السيارات قد تصبح “بطاريات متنقلة” تساهم في تحقيق استقرار الشبكة، خاصة مع التوسع في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وقد بدأت بعض الحكومات، خصوصًا في أوروبا وكندا واليابان، في تقديم حوافز لدعم الشحن ثنائي الاتجاه، وتطوير البنية التحتية المناسبة. كما بدأت شركات الطاقة بتوقيع اتفاقيات مع شركات السيارات لتجريب هذه الحلول على نطاق أوسع.
التحديات التي لا تزال قائمة
رغم التفاؤل، إلا أن هناك تحديات حقيقية تواجه التبني الشامل لتقنيات V2G وV2H، منها:
- نقص البنية التحتية المناسبة في العديد من الدول.
- عدم توحيد المعايير التقنية بين السيارات وشواحن الشبكة.
- قلة التوعية لدى المستخدمين بشأن الفوائد والمخاطر.
- المخاوف من الأعطال المفاجئة أو الأعطال المتعلقة بالبرمجيات.
بطاريات السيارات الكهربائية قادرة بالفعل على تشغيل المنازل بل وحتى دعم شبكات الكهرباء الوطنية، لكن العقبة الأكبر ليست في التقنية، بل في الإرادة التجارية والسياسية. فبينما تسعى بعض الشركات إلى تمكين المستهلكين وتعزيز الاستفادة من سياراتهم الكهربائية، تختار شركات أخرى أن تحتكر التحكم وتؤخر هذه الثورة.ومع تزايد الضغوط من المستهلكين والجهات التنظيمية، قد تجد تلك الشركات نفسها مجبرة على إعادة النظر في مواقفها، لأن مستقبل الطاقة لم يعد يُبنى فقط في محطات التوليد، بل أيضًا في مواقف السيارات.