شهدت نتائج النصف الأول من عام 2025 مفاجأة لافتة في تقارير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO2) الصادرة عن مراكز الرصد البيئي ومؤسسات النقل العالمية. فلأول مرة منذ سنوات، السيارات الكهربائية تُحدث ثورة بيئية و تم تسجيل تراجع ملحوظ في الانبعاثات الصادرة عن قطاع النقل البري، ويعزى ذلك بشكل مباشر إلى الزيادة المفاجئة في مبيعات واعتماد السيارات الكهربائية على مستوى عالمي. هذه القفزة غير المتوقعة تؤشر إلى تحول تدريجي – لكنه قوي – نحو مستقبل أنظف، حيث بدأت السيارات الكهربائية تفرض وجودها بقوة في طرقات العالم.
التحول من الوقود الأحفوري إلى الكهرباء

لطالما اعتُبر قطاع النقل أحد أكبر مصادر انبعاثات الكربون في العالم، نتيجة الاعتماد الكثيف على محركات الاحتراق الداخلي التي تستهلك البنزين أو الديزل. لكن في النصف الأول من عام 2025، أظهرت البيانات أن نسب اعتماد السيارات الكهربائية في بعض الأسواق ارتفعت بنسبة تجاوزت 40% مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق.
وتشير التقديرات إلى أن عدد السيارات الكهربائية التي تم بيعها عالميًا خلال الأشهر الستة الأولى من العام تجاوز 8.2 مليون سيارة، مقارنة بـ5.6 مليون سيارة في نفس الفترة من عام 2024. هذا النمو المفاجئ يطرح سؤالًا جوهريًا: ما الذي حدث لتبدأ السيارات الكهربائية في كسب الزخم بهذه السرعة؟
عدة عوامل اجتمعت لتسريع التحول
1. ارتفاع أسعار الوقود التقليدي
من أبرز المحفزات كان استمرار ارتفاع أسعار البنزين والديزل في العديد من دول العالم، نتيجة التوترات الجيوسياسية وتقلبات سوق النفط. هذا الارتفاع دفع المستهلكين إلى البحث عن بدائل اقتصادية، وكانت السيارة الكهربائية الخيار الأبرز.
2. الحوافز الحكومية المتزايدة
كثفت العديد من الحكومات دعمها للانتقال إلى السيارات الكهربائية عبر حوافز مالية مباشرة، مثل خفض الضرائب، وتقديم منح شراء، وإعفاءات من رسوم التسجيل. في أوروبا على سبيل المثال، قدمت دول مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا دعمًا تجاوز 8000 يورو لكل سيارة كهربائية جديدة.
3. توسع البنية التحتية للشحن
شهدت الأشهر الأخيرة توسعًا ملحوظًا في عدد محطات الشحن السريع، لا سيما في المناطق الحضرية والممرات السريعة. كما بدأت شركات الشحن الخاصة الدخول في سباق لتقديم خدمات شحن منزلي ذكية، مما أزال الكثير من العقبات النفسية أمام المستهلكين.
4. نماذج جديدة أكثر جاذبية
أطلقت العديد من الشركات طرازات كهربائية تجمع بين الأداء العالي، والتصميم العصري، والسعر المناسب. فشركات مثل تسلا، وBYD، وفورد، وبي إم دبليو، وهيونداي، بدأت بطرح نماذج تنافس مباشرة السيارات التقليدية ليس فقط في الكفاءة، بل أيضًا في الراحة والابتكار.
تأثير ذلك على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون
وفقًا لتقرير منظمة النقل الدولي، فإن الانخفاض في انبعاثات CO2 من قطاع النقل في النصف الأول من 2025 بلغ نحو 6.3% مقارنة بنفس الفترة من 2024. هذا الانخفاض يعتبر الأكبر منذ جائحة كورونا، التي شهدت تراجعًا قسريًا بفعل الإغلاق العام.
ويُعزى هذا الانخفاض مباشرة إلى تراجع استهلاك الوقود الأحفوري في السيارات الخاصة، وهو ما نتج عن تزايد عدد السيارات الكهربائية على الطرق، إضافة إلى اعتماد بعض المدن الكبرى على حافلات كهربائية بالكامل.
دول تقود التحوّل
1. النرويج: نموذج عالمي
ما تزال النرويج تتصدر العالم من حيث نسب اعتماد السيارات الكهربائية، حيث بلغت نسبة السيارات الجديدة التي تعمل بالكهرباء 91% في النصف الأول من 2025. ويرجع ذلك إلى سياسة دعم حكومية صارمة، وبنية تحتية شاملة.
2. الصين: السوق الأكبر عالميًا
باعت الصين وحدها أكثر من 4 ملايين سيارة كهربائية خلال الأشهر الستة الأولى، مما يجعلها مسؤولة عن نصف المبيعات العالمية تقريبًا. الدعم الحكومي القوي، وتنافسية الشركات المحلية مثل BYD وNIO، جعلا الصين اللاعب الأبرز في هذا المجال.
3. الولايات المتحدة: لحاق متسارع
رغم تأخرها سابقًا، بدأت الولايات المتحدة تسجل نموًا سريعًا بفضل حزمة التحفيزات الضخمة التي أقرّتها إدارة بايدن، والتي شملت تمويلًا ضخمًا للبنية التحتية ومحطات الشحن، ما ساهم في ارتفاع نسبة السيارات الكهربائية إلى 17% من المبيعات الجديدة.
الجانب البيئي: هل يكفي؟
رغم التفاؤل الكبير، يرى بعض الخبراء أن اعتماد السيارات الكهربائية وحده لا يكفي لتحقيق أهداف الحياد الكربوني. إذ أن تصنيع البطاريات واستخراج المعادن مثل الليثيوم والكوبالت ما تزال عمليات كثيفة الطاقة وتنتج عنها انبعاثات في دول معينة.
ومع ذلك، تشير أغلب الدراسات إلى أن السيارة الكهربائية تبقى أكثر نظافة من نظيرتها العاملة بالبنزين أو الديزل على مدى دورة حياتها الكاملة، خاصة إذا كانت الكهرباء المستخدمة في الشحن مصدرها طاقات متجددة.
ما الذي يمكن أن يعزز هذا الزخم؟
1. تقنيات البطاريات الأفضل
تعمل العديد من الشركات حاليًا على تطوير بطاريات الحالة الصلبة التي يمكن أن تحدث ثورة في عالم السيارات الكهربائية، بفضل قدرتها على الشحن السريع، وعمرها الطويل، وكثافتها العالية للطاقة.
2. تحسين الأسعار
لا تزال أسعار بعض الطرازات الكهربائية مرتفعة مقارنة بالسيارات التقليدية، لكن الانخفاض المستمر في تكلفة البطاريات قد يغير ذلك خلال العامين المقبلين، خاصة مع دخول شركات صينية إلى الأسواق العالمية بأسعار تنافسية.
3. شبكات الشحن الموحدة
إنشاء أنظمة شحن موحدة، سواء من حيث المقابس أو طرق الدفع، سيُسهم بشكل كبير في إزالة الحواجز التقنية التي تعيق الانتشار الأوسع.
ردود فعل شركات السيارات
شركات السيارات الكبرى لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التحول. فقد أعلنت كل من جنرال موتورز، وستيلانتيس، وفولكسفاغن، عن خطط لتسريع إنتاج السيارات الكهربائية، وتقليص الاعتماد على محركات الاحتراق الداخلي بدءًا من عام 2026.
كما بدأت بعض الشركات التخلي نهائيًا عن تطوير محركات جديدة تعمل بالوقود الأحفوري، مثل جاكوار التي وعدت بأن تصبح شركة كهربائية بالكامل بحلول 2026.
بداية لعصر جديد؟
نتائج النصف الأول من عام 2025 كانت بمثابة نقطة تحوّل، حيث خرجت السيارات الكهربائية من دائرة الترف أو الاهتمام البيئي الضيق، إلى كونها خيارًا عمليًا واقتصاديًا لعامة المستهلكين.
الزخم المتزايد، والدعم السياسي، والتقدم التقني، كلّها عوامل تشير إلى أننا قد نكون على أعتاب عصر جديد في قطاع النقل. عصر تُصبح فيه السيارة الكهربائية هي القاعدة، وليس الاستثناء، مما يُشكل خطوة حاسمة نحو تقليص انبعاثات الكربون وإنقاذ كوكب الأرض.