في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز مبيعات السيارات الكهربائية في المملكة المتحدة، أعلنت الحكومة البريطانية مؤخرًا عن حزمة دعم جديدة تستهدف تسريع التحول نحو المركبات عديمة الانبعاثات. ولكن المثير للاهتمام هو الاستجابة السريعة من قبل الشركات الصينية، التي بادرت إلى مواءمة استراتيجياتها مع هذه الحوافز، مما أثار اهتمامًا واسعًا في أوساط صناعة السيارات الأوروبية والعالمية. فهل الشركات الصينية تسبق المنافسين و هل ستتمكن من الاستحواذ على الحصة الأكبر من السوق البريطانية في ظل هذه السياسات؟
الحوافز الجديدة في المملكة المتحدة: ما هي تفاصيلها؟
أعلنت الحكومة البريطانية في منتصف 2025 عن تقديم دعم يصل إلى 3,000 جنيه إسترليني لكل سيارة كهربائية جديدة تُباع للمستهلكين الأفراد، بشرط أن تكون قيمتها أقل من 40,000 جنيه. بالإضافة إلى ذلك، تم تخصيص تمويل إضافي للبنية التحتية، خاصة نقاط الشحن السريع في المدن والمناطق الريفية. الهدف الرئيسي هو تحفيز المواطنين على التخلي عن السيارات العاملة بالوقود التقليدي، والمساهمة في خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة كبيرة بحلول عام 2030.
الشركات الصينية تتحرك بسرعة

لم تمر أيام قليلة على الإعلان عن هذه المبادرة، حتى بدأت شركات صينية مثل BYD، MG، NIO، Xpeng وGeely بإعادة هيكلة عروضها في السوق البريطاني. حيث خفّضت الأسعار، وقدمت عروض تمويل جذابة، بل وأطلقت نماذج جديدة مصممة خصيصًا لتلبية متطلبات الدعم الحكومي.
BYD: الرائدة في السباق
شركة BYD، التي تُعد من أكبر صانعي السيارات الكهربائية في العالم، أعلنت فورًا عن خصومات خاصة على طرازها الشهير Dolphin، ليصبح سعره الأساسي أقل من الحد الأقصى المؤهل للدعم البريطاني. كما قامت بإطلاق حملة إعلانية واسعة في المملكة المتحدة تحت شعار “سيارة المستقبل بسعر اليوم”، ما جعل الطلب على طرازاتها يرتفع بنسبة 28% خلال أسبوعين فقط.
MG: الاستفادة من الجذور البريطانية
رغم أن MG أصبحت تحت ملكية صينية (SAIC Motor)، إلا أنها ما زالت تحظى بشعبية في بريطانيا نظرًا لجذورها البريطانية. استغلت الشركة هذا العامل وطرحت نسخة مطورة من سيارتها الكهربائية MG4 بسعر لا يتجاوز 35,000 جنيه، ما يجعلها مؤهلة للحصول على الدعم الحكومي. كما عرضت ضمانًا لمدة 7 سنوات وشحنًا مجانيًا لمدة عام كامل.
NIO وXpeng: دخول تنافسي من الباب الخلفي
شركتا NIO وXpeng كانتا قد بدأتا الدخول التدريجي إلى السوق الأوروبي، لكن الإعلان عن الحوافز البريطانية دفعهما إلى تسريع خطط التوسع. حيث أعلنت Xpeng عن نيتها فتح صالات عرض جديدة في لندن ومانشستر وبرمنغهام خلال الربع الأخير من 2025. أما NIO، فقد صرّحت أنها ستبدأ بطرح طرازاتها بأسعار تنافسية بفضل خطوط الإنتاج المرنة وتكلفة التصنيع المنخفضة.
القلق الأوروبي: هل تتحول بريطانيا إلى بوابة الصين لأوروبا؟
هذا التحرك السريع من الشركات الصينية أثار قلقًا لدى بعض شركات السيارات الأوروبية، خاصة الألمانية والفرنسية، التي ترى في هذه الإجراءات فرصة غير عادلة لصالح منافسين تدعمهم الدولة الصينية بشكل غير مباشر. فبينما تعاني بعض العلامات الأوروبية من ارتفاع تكاليف الإنتاج، تأتي الشركات الصينية بنماذج أرخص وأكثر تطورًا من حيث التقنية والبطارية.
ومع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لم تعد القوانين الأوروبية الخاصة بالضرائب والجمركة تنطبق على المملكة المتحدة، ما يفتح المجال أمام الصينيين للتوسع دون نفس القيود التي تواجههم داخل دول الاتحاد الأوروبي.
هل هناك خطر على الصناعة المحلية في بريطانيا؟
بالرغم من أن الهدف من الحوافز هو تشجيع التحول إلى السيارات الكهربائية، إلا أن هناك تساؤلات مشروعة حول ما إذا كانت هذه المبادرة ستخدم الصناعة المحلية أم تفتح الباب أمام استيراد كميات كبيرة من السيارات الصينية.
حتى الآن، لا توجد شركة بريطانية تنتج سيارات كهربائية على نطاق واسع. بينما تستثمر بعض العلامات مثل Jaguar Land Rover وMini في تحويل مصانعها إلى إنتاج كهربائي، إلا أن هذه التحولات لا تزال في مراحلها الأولى. هذا يعني أن المستفيد الأكبر من الحوافز في الوقت الحالي هم المصنعون الأجانب، وعلى رأسهم الصينيون.
المواطن البريطاني: المستفيد الأول من المنافسة
من جهة أخرى، لا يمكن إنكار أن المستهلك البريطاني هو الرابح الأكبر في هذه المعادلة. فبفضل المنافسة المحتدمة، أصبح بإمكانه الآن اقتناء سيارة كهربائية متطورة بسعر مناسب جدًا. فبينما كانت السيارات الكهربائية تُعتبر رفاهية قبل سنوات قليلة، باتت اليوم في متناول الطبقة المتوسطة، بل وأرخص في بعض الحالات من السيارات التقليدية.
علاوة على ذلك، فإن توفر طرازات صينية بتقنيات حديثة مثل الشحن السريع، القيادة الذاتية، وشاشات ذكية تفاعلية، يرفع من مستوى التوقعات ويجبر الشركات الأخرى على تحسين عروضها.
مخاوف بيئية وتقنية
رغم الأسعار الجذابة، أبدى بعض النقاد تحفظاتهم على معايير الجودة والسلامة في بعض السيارات الصينية، خاصة تلك التي لم تُختبر بشكل كافٍ في الظروف الأوروبية. كما أن هناك قلقًا من اعتماد التكنولوجيا الصينية في مجال البطاريات والبرمجيات، خاصة مع تزايد التوترات الجيوسياسية بين الغرب وبكين.
لكن في المقابل، أظهرت العديد من الطرازات الصينية نتائج إيجابية في اختبارات الأمان الأوروبية (Euro NCAP)، وبدأت بعض الشركات بالفعل بإنشاء مراكز بحث وتطوير في أوروبا لضمان الامتثال الكامل للمعايير.
ماذا عن مستقبل السوق البريطاني؟
يتوقع خبراء السيارات أن تشهد المملكة المتحدة انفجارًا في مبيعات السيارات الكهربائية خلال عامي 2025 و2026، مع دخول الحوافز حيز التنفيذ وتوسع عروض الشركات الصينية. ومع تعهد الحكومة البريطانية بوقف بيع السيارات الجديدة العاملة بالبنزين والديزل بحلول عام 2035، فإن هذا العقد سيكون حاسمًا في تحديد ملامح السوق البريطاني.
وفي ظل الوتيرة الحالية، قد تتحول بريطانيا إلى إحدى أهم ساحات التنافس العالمي في مجال السيارات الكهربائية، خصوصًا مع تزايد الطلب، وتحسن البنية التحتية، ورغبة المواطنين في تقليل نفقاتهم على الوقود والصيانة.
الصين تلعب أوراقها بذكاء
بينما تتجه المملكة المتحدة نحو مستقبل كهربائي، لم تفوت الصين الفرصة لتعزيز حضورها العالمي في قطاع السيارات الكهربائية. فقد أظهرت مرونة عالية في التكيف مع السياسات المحلية، واستخدمت مزيجًا من الابتكار، التكلفة المنخفضة، وسرعة الاستجابة للفوز بقلوب المستهلكين البريطانيين.
ويبقى السؤال مطروحًا: هل ستتمكن أوروبا وبريطانيا من موازنة الانفتاح التجاري مع حماية صناعتها الوطنية، أم أن الغلبة ستكون لصالح التنين الصيني في معركة السيارات القادمة؟