السعودية تدخل سباق السيارات الكهربائية رغم ريادتها في إنتاج النفط

Photo of author

By Sihem Braiek

في تحول لافت في السياسة الاقتصادية والتكنولوجية، بدأ أحد أكبر منتجي النفط في العالم، المملكة العربية السعودية، باتخاذ خطوات جادة نحو دخول سوق السيارات الكهربائية. ومع أن السعودية تُعد رمزًا عالميًا في إنتاج وتصدير النفط، فإنّ توجهها الجديد نحو الطاقة النظيفة وصناعة السيارات الكهربائية يعكس رغبتها في تنويع مصادر الاقتصاد ومواكبة التحولات العالمية في قطاع النقل والطاقة.في هذا المقال سنكتشف كيف ان السعودية تدخل سباق السيارات الكهربائية رغم ريادتها في إنتاج النفط.

رؤية السعودية 2030: الدافع الحقيقي للتحول

يأتي دخول السعودية إلى عالم السيارات الكهربائية في إطار رؤية السعودية 2030، وهي خطة استراتيجية تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط، وتنويع الاقتصاد، وتطوير قطاعات جديدة. وقد وضعت الحكومة السعودية الابتكار والتكنولوجيا في صلب هذه الرؤية، مما يفسر الاستثمار الكبير في مشاريع الطاقة المتجددة والنقل المستدام.

ومن أهم محاور الرؤية:

  • إنشاء مدن ذكية مثل “نيوم” تعتمد على التنقل الكهربائي بالكامل.
  • إطلاق مشاريع صناعية في مجالات جديدة مثل تصنيع السيارات الكهربائية.
  • استقطاب الاستثمارات العالمية وتعزيز الشراكات الدولية.

إطلاق شركة “سير” (Ceer): بداية صناعة سعودية للسيارات الكهربائية

في عام 2022، أعلنت السعودية عن إطلاق أول علامة تجارية وطنية للسيارات الكهربائية تحت اسم “سير” (Ceer)، وهي مشروع مشترك بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة “فوكسكون” التايوانية المتخصصة في الإلكترونيات. يهدف هذا المشروع إلى تصنيع سيارات كهربائية مخصصة للأسواق المحلية والعالمية، ويُتوقع أن تبدأ أولى السيارات في الخروج من خطوط الإنتاج بحلول عام 2025.

تُعد شركة “سير” خطوة استراتيجية تهدف إلى:

  • توطين المعرفة والتكنولوجيا.
  • خلق آلاف الوظائف للمواطنين السعوديين.
  • تصدير السيارات للأسواق العالمية.

لماذا تتحول دولة نفطية إلى السيارات الكهربائية؟

قد يبدو الأمر متناقضًا في البداية: لماذا تقوم دولة تعتمد اقتصادها على النفط بالدخول في مجال يقلل من الطلب على هذا المورد؟ الإجابة تكمن في عدة عوامل:

  1. التنويع الاقتصادي: مستقبل النفط غير مضمون، والأسواق العالمية تتجه بسرعة نحو الطاقة النظيفة، مما يدفع السعودية للبحث عن بدائل اقتصادية.
  2. الاستثمار في المستقبل: من خلال الدخول المبكر في صناعة السيارات الكهربائية، يمكن للمملكة أن تصبح لاعبًا مهمًا في هذا السوق المتنامي.
  3. دعم الاستدامة البيئية: السعودية تعمل على تحسين صورتها الدولية فيما يخص البيئة، وتطوير مشاريع صديقة للمناخ.
  4. التحول العالمي في الطلب: العديد من الدول تعلن عن خطط لمنع بيع السيارات ذات محركات الوقود خلال السنوات القادمة، مما يجعل التحول إلى الكهرباء أمرًا حتميًا.

البنية التحتية: استثمارات ضخمة لدعم السيارات الكهربائية

خفض الطلب على النفط بسبب السيارات الكهربائية

لم تقتصر الجهود السعودية على صناعة السيارات فحسب، بل شملت أيضًا بناء البنية التحتية اللازمة لدعم هذا التحول. وتشمل هذه الجهود:

  • إنشاء محطات شحن كهربائية في المدن الكبرى وعلى الطرق السريعة.
  • إطلاق مبادرات حكومية لتشجيع المواطنين على اقتناء السيارات الكهربائية.
  • شراكات مع شركات طاقة متجددة لتوفير مصادر نظيفة ومستدامة للطاقة.

كما أن مشروع “نيوم”، المدينة الذكية المستقبلية، يُعتبر نموذجًا متقدمًا لما يمكن أن تبدو عليه الحياة في مدن تعتمد بالكامل على وسائل النقل الكهربائية.

طموحات التصدير والمنافسة العالمية

لا تقتصر طموحات السعودية على السوق المحلي، بل تهدف إلى أن تصبح مصدرًا عالميًا للسيارات الكهربائية. شركة “سير” تستهدف تصدير مركباتها إلى دول الخليج، وشمال إفريقيا، وربما أوروبا وآسيا لاحقًا.

ويشير مسؤولون إلى أن المملكة تُراهن على:

  • تكلفة إنتاج منخفضة بفضل الدعم الحكومي وتوفر الطاقة الرخيصة.
  • كفاءة لوجستية بفضل الموقع الجغرافي المميز للمملكة.
  • تحالفات تكنولوجية مع شركات عالمية مثل فوكسكون وشركات بطاريات عالمية.

التحديات التي تواجه السعودية في هذا التحول

رغم الطموح الكبير والدعم المالي والسياسي الواسع، فإن هناك العديد من التحديات أمام السعودية في دخول سوق السيارات الكهربائية:

  1. المنافسة الشرسة من شركات عالمية مثل تسلا، BYD، وفولكس فاجن.
  2. نقص الخبرات المحلية في مجال تصنيع السيارات والتكنولوجيا المرتبطة بها.
  3. تغيير الثقافة الاستهلاكية، حيث لا يزال الكثير من المواطنين يفضلون السيارات التقليدية.
  4. البنية التحتية الناشئة، والتي تحتاج إلى سنوات من التطوير لتكون بمستوى الأسواق العالمية.

الشراكات مع شركات عالمية

للتغلب على هذه التحديات، لجأت السعودية إلى إبرام شراكات استراتيجية مع رواد الصناعة العالميين. إلى جانب فوكسكون، هناك محادثات مع شركات تصنيع البطاريات مثل CATL الصينية وشركات ألمانية ويابانية في مجال المحركات والتحكم الإلكتروني.

كما أطلقت المملكة “مركز التميز للسيارات الكهربائية”، الذي يهدف إلى تدريب مهندسين محليين، وتشجيع البحث العلمي، وتطوير حلول سعودية في مجال النقل الكهربائي.

دور صندوق الاستثمارات العامة

صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) هو القوة المحركة وراء هذا التحول. وقد خصص الصندوق ميزانيات ضخمة تقدر بمليارات الدولارات لدعم صناعة السيارات الكهربائية، سواء من خلال شركة “سير” أو من خلال الاستثمار في شركات عالمية مثل “لوسيد موتورز”.

وقد أنشأت السعودية أول مصنع لـ”لوسيد” خارج الولايات المتحدة في مدينة جدة، ويُتوقع أن يُنتج 150,000 سيارة كهربائية سنويًا عند اكتماله.

كيف ستتغير السوق السعودية خلال السنوات القادمة؟

مع هذه التطورات، من المتوقع أن تشهد السوق السعودية خلال السنوات الخمس القادمة:

  • زيادة في عدد السيارات الكهربائية على الطرقات.
  • انخفاض تدريجي في مبيعات السيارات التقليدية.
  • ظهور خدمات جديدة مثل صيانة المركبات الكهربائية، وتقنيات الشحن، ومراكز التبديل.
  • منافسة محلية بين “سير” وشركات أجنبية تستثمر في السوق السعودي.

ماذا يعني هذا التحول لبقية دول الخليج؟

نجاح السعودية في هذا المجال قد يكون نموذجًا لبقية دول الخليج، حيث تمتلك الإمارات وقطر والبحرين أيضًا خططًا لتوسيع استخدام السيارات الكهربائية. ويمكن أن يؤدي هذا التوجه الإقليمي إلى:

  • نشوء سوق خليجية مشتركة للسيارات الكهربائية.
  • تعزيز التكامل الصناعي بين دول المنطقة.
  • جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية للمنطقة كمركز لصناعة وتوزيع المركبات الكهربائية.

من ذهب أسود إلى مستقبل أخضر

دخول السعودية، أحد أكبر منتجي النفط عالميًا، إلى مجال السيارات الكهربائية هو أكثر من مجرد تحول اقتصادي؛ إنه رسالة واضحة بأن عصر النفط يقترب من نهايته التدريجية، وأن المستقبل ينتمي إلى الطاقة النظيفة والنقل المستدام.

ومع الموارد المالية الضخمة، والرؤية الطموحة، والدعم السياسي، تملك المملكة كل المقومات لتكون لاعبًا مهمًا في هذا القطاع. وسيكون من المثير متابعة كيف ستوازن السعودية بين دورها التقليدي كمصدر للنفط، وطموحها الجديد كمصنّع للسيارات الكهربائية.

أضف تعليق