في السنوات الأخيرة، كانت شركة تسلا رائدة في سوق السيارات الكهربائية، وقد أحدثت ثورة حقيقية في صناعة النقل العالمي. ومع ذلك، واجهت الشركة تحديات متزايدة في الأسواق العالمية، خصوصًا في أوروبا، حيث ظهرت منافسة شرسة من شركات السيارات التقليدية والصاعدة في مجال السيارات الكهربائية. ولكن التقارير الأخيرة حول تسجيلات السيارات الجديدة في الاتحاد الأوروبي تُظهر أن تيسلا تتحدى المنافسين الأوروبيين و لم تعد تفقد حصتها السوقية بالسرعة التي كانت عليها في السابق، بل بدأت تحافظ على موقعها، وربما تمهد الطريق لاستعادة بعض الزخم.
تيسلا في أوروبا: سنوات من التوسع ثم التحدي
منذ دخولها السوق الأوروبية، حققت تيسلا نجاحًا كبيرًا، بفضل الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة ونظام القيادة الذاتية وتسويقها الجريء. كان طراز Model 3، ثم لاحقًا Model Y، من أكثر السيارات الكهربائية مبيعًا في العديد من الدول الأوروبية، مثل ألمانيا، النرويج، هولندا، وفرنسا. لكن مع دخول عدد كبير من الشركات الأوروبية والصينية في مضمار السيارات الكهربائية، بدأت حصة تيسلا في السوق بالتراجع.
أبرز منافسي تيسلا
في السنوات الثلاث الأخيرة، بدأت علامات تجارية مثل فولكس فاجن، بي إم دبليو، مرسيدس-بنز، ورينو في تقديم سيارات كهربائية تنافس من حيث الأداء، الجودة، والسعر. كما برزت شركات صينية مثل BYD وMG بأسعار تنافسية للغاية. أدى هذا إلى تقليص الفجوة التكنولوجية والتسويقية بين تيسلا وباقي المنافسين، مما أثر على معدلات النمو التي اعتادت عليها الشركة الأمريكية.
تقارير التسجيل الجديدة: دلائل على استقرار الحصة السوقية
أظهرت أحدث التقارير من الاتحاد الأوروبي حول تسجيل السيارات الجديدة في الربع الأول من عام 2025 أن تيسلا لم تعد تخسر حصتها السوقية بوتيرة سريعة. بل على العكس، شهدت بعض الأسواق استقرارًا واضحًا في أداء الشركة، وربما انتعاشًا طفيفًا.
أرقام مشجعة في بعض الدول
في ألمانيا، التي تُعد أكبر سوق للسيارات في أوروبا، زادت تسجيلات سيارات تيسلا بنسبة 3% مقارنة بالربع السابق، رغم تراجع السوق العام بنسبة 2%. وفي فرنسا، استقرت مبيعات Model Y عند مستويات مقبولة، على الرغم من المنافسة مع سيارات مثل Peugeot e-208 وRenault Mégane E-Tech.
أما في الدول الإسكندنافية مثل النرويج والسويد، حيث تشكل السيارات الكهربائية حصة كبيرة من السوق، فما زالت تيسلا تحظى بمكانة قوية، لا سيما بسبب اعتماد هذه الدول على البنية التحتية المتطورة للشحن الكهربائي.
التباطؤ في الخسارة علامة إيجابية
رغم أن تيسلا لا تحقق نسب النمو الكبيرة التي عرفتها سابقًا، فإن التباطؤ في خسارة الحصة السوقية يُعد بحد ذاته مؤشرًا إيجابيًا. فبعد سلسلة من الانخفاضات المتتالية خلال العام 2023 و2024، أصبح أداء تيسلا مستقرًا نسبيًا في مواجهة عاصفة المنافسة.
عوامل ساعدت تيسلا على الثبات
1. تحديث البرمجيات المستمر
أحد أهم نقاط قوة تيسلا هو نظامها البرمجي الذي يُحدث عن بُعد، مما يجعل سياراتها تتحسن بمرور الوقت دون الحاجة إلى زيارة مراكز الخدمة. هذا العامل التكنولوجي ما زال يمنح تيسلا الأفضلية على كثير من المنافسين الذين يعتمدون على أنظمة تشغيل تقليدية.
2. تقليص الأسعار في الوقت المناسب
في أوائل عام 2024، أقدمت تيسلا على سلسلة من التخفيضات في أسعار موديلاتها، خصوصًا Model 3 وModel Y. هذه الخطوة جعلت سياراتها أكثر جاذبية للمشترين الأوروبيين، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وأسعار الفائدة.
3. الإنتاج المحلي في مصنع برلين
افتتاح مصنع “Gigafactory Berlin” منح تيسلا القدرة على تقليل تكاليف الشحن والتوريد، وتحسين سرعة التوصيل، والاستجابة بشكل أفضل لمتطلبات السوق المحلي. وقد انعكس ذلك على استقرار المبيعات في دول وسط وغرب أوروبا.
4. هوية العلامة التجارية
ما زالت تيسلا تتمتع بسمعة قوية بين المستهلكين، لا سيما الشباب والمهتمين بالتقنيات الحديثة. ووجود إيلون ماسك في صدارة المشهد الإعلامي يُبقي الشركة في دائرة الضوء بشكل دائم، وهو ما يُسهم في الحفاظ على اهتمام المستهلكين.
تحديات مستقبلية لا تزال قائمة
رغم المؤشرات الإيجابية الأخيرة، إلا أن تيسلا لا تزال تواجه مجموعة من التحديات المهمة في السوق الأوروبي.

المنافسة الصينية
شركات مثل BYD، NIO، وXPeng تستمر في التوسع داخل الأسواق الأوروبية بأسعار منخفضة نسبياً وميزات متقدمة. وجودها يشكل تهديدًا مباشرًا لتيسلا، خصوصًا في الشرائح المتوسطة والمنخفضة من السوق.
السياسات الأوروبية المتغيرة
الاتحاد الأوروبي يدرس فرض رسوم جمركية إضافية على السيارات الصينية، وهو ما قد يغيّر قواعد المنافسة. لكن من جهة أخرى، قد يتأثر قطاع السيارات الكهربائية بتغيّر دعم الحكومات، وتقليص الإعانات الخاصة بشراء المركبات الكهربائية.
مشاكل في التسليم وخدمة العملاء
رغم تحسن البنية التحتية للتسليم في أوروبا، إلا أن بعض العملاء اشتكوا من تأخر عمليات التسليم وخدمة ما بعد البيع. وهذا قد يضعف صورة الشركة في بعض الأسواق.
ماذا يعني ذلك لتيسلا في المستقبل القريب؟
تحقيق تيسلا لحالة من “الاستقرار” بعد فترة من التراجع يعني أنها لا تزال قوة لا يُستهان بها في السوق الأوروبية. وهذا قد يكون تمهيدًا لمرحلة جديدة من إعادة النمو، خصوصًا مع إطلاق طرازات محدثة في النصف الثاني من عام 2025.
Model 3 الجديد وCybertruck
تستعد تيسلا لإطلاق النسخة الجديدة من Model 3 التي تحمل تعديلات داخلية وخارجية ملحوظة. كما أن دخول Cybertruck إلى الأسواق الأوروبية (ولو بشكل محدود) قد ينعش الطلب بين عشاق السيارات الفريدة.
التركيز على الأسواق الناشئة داخل أوروبا
دول شرق أوروبا مثل بولندا، هنغاريا، والتشيك بدأت تشهد اهتمامًا متزايدًا بالسيارات الكهربائية. وإذا ركزت تيسلا على هذه الأسواق بمنتجات ميسورة التكلفة، فقد تستعيد نسبة من النمو.
تظهر تسجيلات السيارات الجديدة في الاتحاد الأوروبي أن تيسلا لم تعد تخسر حصتها السوقية بنفس الوتيرة السريعة، وهو تطور مهم في مسار الشركة داخل القارة العجوز. وبينما ما زالت التحديات قائمة، فإن ثبات تيسلا يشير إلى قدرتها على التكيف والمنافسة في سوق يشهد تغييرات سريعة وتحولات تكنولوجية كبرى.
يبقى مستقبل تيسلا في أوروبا مرتبطًا بعوامل عدة، من بينها قرارات التسعير، التوسع في الإنتاج، الابتكار في البرمجيات، والتعامل مع المنافسة الصينية. لكن ما هو واضح حاليًا أن الشركة تمكّنت من كسر سلسلة التراجعات، وهي في موقع جيد للدفاع عن مكانتها وربما استعادتها بقوة في المرحلة القادمة.