السيارات الكهربائية تكتسح أوروبا… ولكن هل أقنعت المستهلك؟

Photo of author

By Sihem Braiek

في السنوات الأخيرة، أصبحت السيارات الكهربائية رمزًا للتحول البيئي والاقتصادي الذي تعيشه القارة الأوروبية، حيث تسعى الحكومات والشركات على حد سواء إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والتوجه نحو مصادر طاقة أنظف وأكثر استدامة. وفي الوقت الذي تشير فيه الأرقام الأخيرة إلى ان السيارات الكهربائية تكتسح أوروبا و لكن لا تزال هناك تحديات حقيقية وشكوك واسعة النطاق لدى المستهلكين قد تعرقل هذا التحول الجذري.

ارتفاع قوي في المبيعات يدعو للتفاؤل

وفقًا لتقرير حديث صادر عن الجمعية الأوروبية لمصنّعي السيارات (ACEA)، فقد سجلت السيارات الكهربائية في الربع الأول من عام 2025 زيادة في المبيعات تجاوزت 14٪ مقارنة بنفس الفترة من عام 2024. وقد كانت هذه القفزة مدفوعة بعوامل عدة، أبرزها تقديم حوافز مالية ضخمة من قبل الحكومات، والتحسينات الكبيرة التي طرأت على تكنولوجيا البطاريات، بالإضافة إلى حملات التوعية التي تسلط الضوء على الفوائد البيئية والاقتصادية للسيارات الكهربائية.

وتصدرت ألمانيا هذه الموجة، حيث باتت تمثل السيارات الكهربائية ما يقارب 25٪ من مبيعات السيارات الجديدة في البلاد، تليها فرنسا بنسبة 20٪، ثم هولندا والنرويج والسويد التي تُعد من بين الأسواق الأكثر تقدمًا في هذا المجال. وقد أدى توسيع شبكة محطات الشحن العامة وتبني الشركات الكبرى لسيارات الأسطول الكهربائي إلى تسريع هذا النمو بشكل ملحوظ.

التركيز لا يزال محصورًا في بعض الدول

لكن بالرغم من هذا النمو اللافت، تشير البيانات إلى أن الانتعاش في المبيعات ليس موحدًا على مستوى القارة. ففي حين تشهد دول شمال وغرب أوروبا أداءً قويًا في مجال تبني السيارات الكهربائية، تظل دول شرق وجنوب أوروبا متأخرة، إما بسبب ضعف البنية التحتية أو محدودية الدعم المالي أو تدني القدرة الشرائية للمواطنين.

فعلى سبيل المثال، لا تتجاوز نسبة مبيعات السيارات الكهربائية 5٪ من السوق في دول مثل بلغاريا، رومانيا، واليونان، وهي نسب تعكس فجوة حقيقية بين أجزاء أوروبا المختلفة في الاستعداد للانتقال إلى وسائل نقل مستدامة.

شكوك المستهلكين: حاجز نفسي وتقني

من أبرز العقبات التي تواجه انتشار السيارات الكهربائية في أوروبا، نجد الشكوك العميقة التي لا تزال تسيطر على أذهان عدد كبير من المستهلكين. فرغم المعرفة المتزايدة بفوائد السيارات الكهربائية، إلا أن القلق لا يزال كبيرًا بشأن الجوانب التالية:

مدى القيادة والبطارية

لا يزال الكثيرون يشككون في قدرة السيارات الكهربائية على تغطية المسافات الطويلة، وخاصةً في الرحلات عبر القارة أو أثناء الإجازات. وعلى الرغم من أن بعض الطرازات الحديثة توفر مدى قيادة يزيد عن 500 كيلومتر في الشحنة الواحدة، فإن أغلب السيارات ذات الأسعار المعقولة لا تتعدى 300 كيلومتر، وهو ما لا يُرضي شريحة كبيرة من المستهلكين.

وفرة محطات الشحن

في المدن الكبرى والعواصم الأوروبية، بدأت تظهر بنية تحتية مقبولة لشحن السيارات الكهربائية. لكن الوضع مختلف تمامًا في المناطق الريفية والضواحي النائية، حيث يواجه السائقون صعوبة حقيقية في العثور على محطات شحن قريبة أو فعالة. هذه العقبة تجعل الكثيرين يترددون في تبني هذا النوع من السيارات، خوفًا من أن تُعيقهم محدودية الشحن أثناء تنقلاتهم اليومية.

السعر المرتفع

رغم الدعم الحكومي، لا تزال السيارات الكهربائية تُعتبر أغلى من نظيراتها التقليدية، خاصة بالنسبة للفئات الاقتصادية والمتوسطة. وبما أن السيارات الكهربائية الحديثة تأتي مجهزة بتكنولوجيا متطورة وبطاريات مكلفة، فإن الفارق في السعر يمثل حاجزًا نفسيًا وماليًا أمام العديد من المشترين، خصوصًا أولئك الذين لا يخططون لاستخدام السيارة على المدى الطويل.

الخوف من انخفاض قيمة السيارة

يشعر كثير من الأوروبيين بالقلق من تدهور قيمة سياراتهم الكهربائية بمرور الوقت، إما بسبب تقدم التكنولوجيا أو انخفاض كفاءة البطارية أو ظهور طرازات أحدث بتقنيات متقدمة. هذا القلق يجعل البعض يفضل تأجيل الشراء حتى تستقر السوق وتصبح السيارات الكهربائية أكثر نضجًا وتنافسية.

استراتيجيات الشركات المصنعة لتجاوز التحديات

استشعرت كبرى الشركات الأوروبية هذه المخاوف، فسارعت إلى تبني استراتيجيات جديدة لتشجيع المستهلكين على خوض تجربة القيادة الكهربائية. وقد شملت هذه الاستراتيجيات:

  • تقديم ضمانات طويلة الأمد على البطاريات تصل إلى 8 أو حتى 10 سنوات.
  • إطلاق نماذج سيارات كهربائية بأسعار معقولة، مع تقنيات أكثر كفاءة.
  • توفير شواحن منزلية مجانًا عند شراء السيارة.
  • تقديم خدمات الشحن المجاني في السنوات الأولى.
  • إطلاق تطبيقات ذكية تساعد السائق على التخطيط للرحلات ومعرفة مواقع الشحن الأقرب.

شركات مثل “فولكس فاجن”، “بي إم دبليو”، “رينو”، و“ستيلانتيس” تحاول بجدية تحسين صورة السيارات الكهربائية وتقديم حلول عملية ومرنة لتقريبها من المستخدمين.

دعم حكومي لا غنى عنه

تدرك الحكومات الأوروبية أن التحول نحو السيارات الكهربائية لا يمكن أن يتم بدون تدخل مباشر. لذلك، وُضعت العديد من الخطط لتشجيع هذا التحول، مثل:

  • فرض قيود صارمة على انبعاثات السيارات الجديدة.
  • تحديد موعد نهائي لحظر بيع السيارات العاملة بالبنزين والديزل (في الغالب بحلول عام 2035).
  • تقديم إعفاءات ضريبية ودعم مالي مباشر للمشترين.
  • تمويل مشاريع تطوير البنية التحتية لشحن السيارات.
  • تحفيز البلديات لشراء أسطول كهربائي للمواصلات العامة.

وتأتي هذه السياسات في إطار التزامات الاتحاد الأوروبي بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

مستقبل السيارات الكهربائية في أوروبا: بين الأمل والحذر

التوسع في بنية الشحن لسيارات الكهرباء

الانتعاش الحالي في المبيعات يمنح الأمل بأن أوروبا تسير في الاتجاه الصحيح، لكنه لا يُخفي حجم التحديات التي لا تزال قائمة. فمشكلة التفاوت بين الدول، والحواجز النفسية، وارتفاع الأسعار كلها أمور يجب التعامل معها بواقعية وشفافية.

ويرى الخبراء أن الوصول إلى مستقبل كهربائي حقيقي يتطلب:

  • تعزيز الاستثمار في البنية التحتية للشحن.
  • دعم الإنتاج المحلي للبطاريات لتقليل الاعتماد على آسيا.
  • مواصلة تخفيض أسعار السيارات الكهربائية لتصبح بمتناول الجميع.
  • إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين تجربة القيادة والشحن.

رغم الانتعاش الملحوظ في مبيعات السيارات الكهربائية في أوروبا، لا تزال هناك تحديات نفسية واقتصادية وتقنية تشكّل عقبة أمام تبني هذا التحول على نطاق واسع. إن التغلب على هذه العقبات يتطلب تضافر جهود الحكومات، والشركات المصنعة، والمجتمع المدني، حتى تصبح السيارات الكهربائية خيارًا طبيعيًا ومرغوبًا لدى كل مواطن أوروبي. أوروبا في طريقها نحو مستقبل أخضر، لكن هذا الطريق لا يخلو من المطبات.

أضف تعليق