في الوقت الذي تسير فيه العديد من دول العالم نحو التحول الكامل إلى السيارات الكهربائية كجزء من خطة الاستدامة ومكافحة التغير المناخي، نجد أن قارة أفريقيا ما زالت متأخرة في هذا المجال، وهو ما يدفع البعض للاعتقاد بأنها “متأخرة” أو “خارج السباق”. لكن في الحقيقة، هذا التأخر ليس دائمًا سلبيًا. فواقع القارة مختلف، وتحدياتها فريدة، والسرعة التي تناسب أوروبا أو أمريكا قد لا تكون مناسبة لأفريقيا. ولذلك، فإن القول إن أفريقيا غير مستعدة بعد للسيارات الكهربائية لا يعني الفشل، بل يعكس واقعية واستراتيجية قد تكون أكثر نفعًا على المدى الطويل.
أولًا: غياب البنية التحتية اللازمة

الركيزة الأساسية لأي تحول نحو السيارات الكهربائية هي وجود شبكة كهرباء موثوقة، تغطي المدن والمناطق الريفية على حد سواء، وتوفر إمدادًا مستقرًا للطاقة. لكن في العديد من الدول الأفريقية، لا تزال شبكات الكهرباء تعاني من انقطاعات متكررة، وانخفاض في كفاءة التوزيع، وعدم توفر الكهرباء بشكل دائم، خصوصًا في القرى والمناطق النائية.
كما أن محطات شحن السيارات الكهربائية نادرة جدًا أو غير موجودة أصلًا، ما يجعل فكرة اقتناء سيارة كهربائية غير عملية. حتى في المدن الكبرى، لا يوجد ما يكفي من البنية التحتية لاستقبال هذه التكنولوجيا، سواء من ناحية الكهرباء أو الطرق المعبدة أو الخدمات الفنية المتخصصة.
ثانيًا: ارتفاع تكلفة السيارات الكهربائية
واحدة من أكبر العقبات التي تواجه دخول السيارات الكهربائية إلى الأسواق الأفريقية هي التكلفة المرتفعة. ففي حين بدأت الأسعار بالانخفاض نسبيًا في أوروبا والصين، ما زالت السيارات الكهربائية تُعد باهظة الثمن مقارنةً بمتوسط الدخل في أفريقيا.
العديد من الأسر الأفريقية تعيش بدخل محدود، وتعتمد على وسائل نقل رخيصة مثل الحافلات، الدراجات النارية، أو حتى السير على الأقدام. شراء سيارة كهربائية، حتى وإن كانت من الفئة الاقتصادية، يبقى حلمًا بعيد المنال. كما أن تكلفة شحن السيارة قد تكون مرتفعة في ظل نقص الكهرباء، إضافة إلى قلة قطع الغيار والمراكز المتخصصة في الصيانة.
ثالثًا: غياب الدعم الحكومي والتشريعات الملائمة
في دول كثيرة، كان الدعم الحكومي والتشريعات البيئية المحفزة هي المحرك الأساسي لاعتماد السيارات الكهربائية، مثل الإعفاءات الجمركية، التخفيضات الضريبية، والمساعدة في بناء البنية التحتية. أما في أغلب الدول الأفريقية، فإن مثل هذه الحوافز لا تزال غائبة أو غير كافية.
الحكومات تركز على أولويات أخرى أكثر إلحاحًا، مثل التعليم، الصحة، محاربة الفقر، وتحسين البنية التحتية الأساسية، وهذا أمر مفهوم تمامًا. فالتحول إلى السيارات الكهربائية ليس أولوية ملحة في بيئة تعاني من نقص في الخدمات الأساسية.
رابعًا: ضعف الوعي البيئي والمناخي
في العديد من الدول الأفريقية، لا يُنظر إلى التغير المناخي والاحتباس الحراري كتهديد مباشر، بل كمشكلة بعيدة لا تؤثر على الحياة اليومية. لذلك، فإن حافز التحول إلى المركبات الكهربائية بدافع بيئي غير موجود لدى شريحة كبيرة من السكان.
غالبية الناس يريدون وسيلة نقل فعّالة واقتصادية، بغض النظر عن نوع الوقود الذي تستخدمه. وهذه العقلية نابعة من الظروف الاقتصادية والمعيشية، وليس من الجهل. وبالتالي، فإن أي تحول بيئي يجب أن يكون مرتبطًا بشكل مباشر بمصلحة المواطن العادي حتى يُكتب له النجاح.
خامسًا: السوق الأفريقي يعتمد على السيارات المستعملة
أغلب السيارات التي يتم استخدامها في القارة الأفريقية هي سيارات مستعملة تم استيرادها من أوروبا أو آسيا. هذا السوق الضخم يوفر سيارات بأسعار منخفضة نسبيًا، ويعتمد عليه ملايين الناس في حياتهم اليومية.
السيارات الكهربائية المستعملة لا تزال غير متوفرة بكثرة، وحتى عند توفرها، فإن بطارياتها تكون غالبًا مستهلكة، وصيانتها باهظة ومعقدة. كما أن التكنولوجيا المتقدمة الموجودة فيها لا تتناسب مع البنية التحتية الحالية في القارة.
سادسًا: تركيز بديل على وسائل النقل الجماعي المستدامة
بدلًا من التركيز على السيارات الكهربائية الخاصة، يرى العديد من الخبراء أن الاستثمار في وسائل النقل الجماعي المستدامة مثل الحافلات الكهربائية، أو القطارات التي تعمل بالطاقة الشمسية، هو الحل الأنسب لأفريقيا.
هذه الخيارات تخدم عددًا أكبر من الناس، وتقلل من الازدحام، وتساعد في تقليل الانبعاثات بشكل أكثر فاعلية. وقد بدأت بعض الدول مثل كينيا ورواندا في تنفيذ مشاريع حافلات كهربائية صغيرة داخل المدن، وتُعد هذه النماذج خطوة واقعية نحو التحول المستدام.
سابعًا: بعض المبادرات الإيجابية تُظهر الأمل
رغم كل هذه التحديات، فإن هناك مبادرات محلية واعدة تُظهر أن القارة ليست غائبة عن الثورة الخضراء. ففي نيجيريا مثلًا، ظهرت شركات ناشئة تعمل على تجميع وتصنيع دراجات كهربائية رخيصة الثمن للاستخدام اليومي. وفي إثيوبيا، تم إطلاق مشاريع لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية لتوفير شحن محلي للمركبات الكهربائية.
كما أن بعض المدن الكبرى بدأت تفكر في إنشاء مناطق خالية من الانبعاثات، وهي خطوات تُظهر وعيًا متزايدًا وإرادة للتغيير، ولكن وفق وتيرة متوازنة.
ثامنًا: أفريقيا ليست مصدر الأزمة المناخية
من المهم أن نتذكر أن القارة الأفريقية لم تكن سببًا رئيسيًا في تفاقم ظاهرة التغير المناخي. فإجمالي الانبعاثات الصادرة منها لا تتجاوز نسبة ضئيلة مقارنة بالانبعاثات الناتجة عن الدول الصناعية الكبرى مثل الصين، الولايات المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، فإن أفريقيا تدفع الثمن الأكبر من الظواهر المناخية القاسية مثل الجفاف، التصحر، والفيضانات. لذلك، من غير العادل أن تُفرض عليها حلول من الخارج دون دعم مالي وتقني، أو دون مراعاة لواقعها الاقتصادي والاجتماعي.
خلاصة: كل قارة تسير وفق ظروفها الخاصة
القول إن أفريقيا ليست مستعدة بعد للسيارات الكهربائية هو اعتراف بالواقع، وليس حكمًا سلبيًا. فالقارة لديها احتياجات مختلفة، وتحديات فريدة تتطلب حلولًا محلية وواقعية.
قد يكون المستقبل الكهربائي قادمًا لأفريقيا، لكن وصوله سيكون تدريجيًا، ومبنيًا على تجارب محلية ناجحة، وليس مجرد تقليد أعمى لما يحدث في الشمال.
بدلًا من التركيز على شراء سيارات كهربائية باهظة الثمن، يمكن لأفريقيا أن تستثمر في الطاقة المتجددة، تطوير النقل الجماعي، وتحسين كفاءة المحركات الحالية، مما يجعلها تسير في الطريق الصحيح بطريقة تناسب شعوبها واقتصاداتها.