مستقبل النفط في خطر: كيف تقود السيارات الكهربائية التحوّل العالمي؟

Photo of author

By Sihem Braiek

شهد العالم خلال العقدين الماضيين تحولات جذرية في قطاع الطاقة، أحد أبرزها يتمثل في التوسع الكبير لاعتماد السيارات الكهربائية على حساب المركبات التي تعمل بالوقود الأحفوري. ومع تزايد هذا التوجه، بدأت تتضح ملامح تأثير هذا التحول على أسواق النفط العالمية و ان مستقبل النفط في خطر. وفي تقرير حديث صادر عن الوكالة الدولية للطاقة (IEA)، تم تسليط الضوء على كيفية تغيّر الطلب العالمي على النفط نتيجة الانتشار السريع للسيارات الكهربائية، وما يحمله المستقبل من تحولات اقتصادية وجيوسياسية كبيرة.

تسارع غير مسبوق في اعتماد السيارات الكهربائية

شهدت السنوات الأخيرة قفزة كبيرة في مبيعات السيارات الكهربائية حول العالم، وذلك بفضل عدة عوامل، منها تحسّن التكنولوجيا، وتراجع أسعار البطاريات، وزيادة الوعي البيئي لدى الأفراد، إلى جانب دعم الحكومات عبر حوافز مالية وتشريعات داعمة. ووفقًا لأحدث بيانات IEA، فقد تم بيع أكثر من 14 مليون سيارة كهربائية في عام 2024، أي ما يقارب 20% من مبيعات السيارات الجديدة على مستوى العالم.

وتتوقع الوكالة أن يتواصل هذا النمو القوي خلال السنوات القادمة، حيث يرجّح أن تصل مبيعات السيارات الكهربائية إلى 30 مليون مركبة سنويًا بحلول عام 2030، وهو ما من شأنه إحداث ضغط متزايد على الطلب التقليدي على الوقود.

خفض الطلب على النفط بسبب السيارات الكهربائية

خفض الطلب على النفط بسبب السيارات الكهربائية

يشير تقرير IEA إلى أن الاعتماد الواسع على السيارات الكهربائية ساهم في تقليل الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.8 مليون برميل يوميًا في عام 2024. ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم ليصل إلى 5 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2030، إذا استمرت السياسات الداعمة وزاد وعي المستهلكين حول فوائد المركبات الكهربائية.

هذا الانخفاض في استهلاك النفط يعود بشكل رئيسي إلى إحلال الكهرباء محل البنزين والديزل، خاصة في قطاع النقل البري الذي يمثل قرابة 60% من الطلب العالمي على النفط. ومع تحوّل المزيد من السيارات، والحافلات، والشاحنات نحو الكهرباء، سيزداد هذا التأثير بمرور الوقت.

تحوّل عالمي مدفوع بالسياسات والتشريعات

تعتمد معظم الحكومات الكبرى حول العالم استراتيجيات واضحة تهدف إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتوسيع استخدام الطاقة النظيفة. فعلى سبيل المثال، أعلنت دول مثل المملكة المتحدة، ألمانيا، فرنسا، كندا، واليابان عن خطط لحظر بيع السيارات الجديدة التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي بحلول عام 2035 أو قبل ذلك.

هذه التوجهات ليست فقط بيئية، بل اقتصادية أيضًا، حيث تهدف إلى تقليل الانبعاثات، وتحقيق استقلالية في مجال الطاقة، وتخفيف التقلبات الناتجة عن أسعار النفط. وكنتيجة لهذه السياسات، تشهد شركات تصنيع السيارات التقليدية تحولًا كبيرًا في خطوط إنتاجها، إذ باتت جميعها تتجه نحو تطوير سيارات كهربائية بالكامل أو هجينة.

توسع التأثير ليشمل الشاحنات والحافلات

لم يعد التأثير مقتصرًا على سيارات الركاب فقط، بل بدأ يمتد ليشمل المركبات التجارية. فقد بدأت الكثير من شركات النقل والمواصلات تعتمد على الحافلات الكهربائية، خاصة في المدن الكبرى التي تعاني من التلوث. كما بدأت الشاحنات الكهربائية تدخل حيّز الخدمة تدريجيًا، مدعومة ببطاريات أكبر وتقنيات جديدة تسمح بمسافات أطول وشحن أسرع.

هذا التوسع يعني أن شريحة أوسع من استهلاك الوقود التقليدي ستُستبدل بالكهرباء، مما يسرّع من وتيرة انخفاض الطلب على النفط.

آثار اقتصادية على الدول المنتجة والمستوردة للنفط

مع انخفاض الطلب على النفط، تتأثر الدول المُصدّرة بشكل مباشر، خاصة تلك التي تعتمد على عائدات النفط كمصدر رئيسي للدخل. دول مثل السعودية، روسيا، العراق، إيران، وفنزويلا قد تواجه تحديات كبيرة في تمويل الميزانيات العامة مستقبلاً، ما لم تنوع اقتصاداتها وتستعد لهذا التحول.

في المقابل، فإن الدول المستوردة للنفط مثل الهند، الصين، وأوروبا الغربية قد تستفيد من هذا الانخفاض في الاستهلاك، عبر تقليل نفقات استيراد النفط، وتعزيز أمن الطاقة، وتخفيف الانكشاف على تقلبات الأسواق العالمية.

التغيرات الجيوسياسية المحتملة

التغير في الطلب على النفط لا ينعكس فقط على الاقتصاد، بل يمتد إلى الجغرافيا السياسية. فمنذ أكثر من قرن، كان النفط أحد الأدوات الحاسمة في السياسات الدولية، لكن مع انخفاض الاعتماد عليه، قد تشهد العلاقات الدولية تحوّلات كبيرة. الدول التي كانت تتمتع بنفوذ استراتيجي بفضل مواردها النفطية قد تجد نفسها مضطرة لإعادة تقييم دورها الجيوسياسي.

تحديات تواجه التوسع في السيارات الكهربائية

رغم التقدم الكبير في سوق السيارات الكهربائية، إلا أن هناك تحديات قائمة لا بد من التعامل معها:

  1. البنية التحتية للشحن: لا تزال شبكات الشحن محدودة في كثير من الدول، خاصة النامية.
  2. ارتفاع تكلفة الإنتاج: رغم انخفاض أسعار البطاريات، إلا أن تكلفة السيارة الكهربائية لا تزال أعلى نسبيًا.
  3. ندرة المواد الخام: تصنيع البطاريات يعتمد على معادن مثل الليثيوم والكوبالت، وهي محدودة جغرافيًا.
  4. الطلب المتزايد على الكهرباء: مع تزايد عدد السيارات الكهربائية، ستحتاج الشبكات الكهربائية إلى توسيع وتحديث.

دور الابتكار في تسريع التحول

تعتمد وتيرة التحول نحو السيارات الكهربائية بشكل كبير على الابتكار. فتقنيات الشحن السريع، البطاريات ذات المدى الطويل، وإعادة تدوير البطاريات كلها ستلعب دورًا حاسمًا في جعل السيارات الكهربائية أكثر جاذبية وفعالية.

كما تسعى العديد من الشركات إلى تطوير تقنيات القيادة الذاتية المرتبطة بالمركبات الكهربائية، مما يعزز من كفاءة استخدام الطاقة ويعيد تشكيل مستقبل التنقل بالكامل.

مستقبل النفط في ظل التحول الكهربائي

ترى الوكالة الدولية للطاقة أن الطلب العالمي على النفط سيبلغ ذروته خلال هذا العقد، قبل أن يبدأ بالانحدار تدريجيًا. وفي حال تم الالتزام بالحياد الكربوني بحلول 2050، فإن استهلاك النفط سيقل بنسبة تصل إلى 75% مقارنة بمستويات اليوم.

ويشير التقرير إلى أن النقل الكهربائي سيكون أحد أبرز العوامل وراء هذا التراجع، إلى جانب مصادر الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الطاقة، وتغير نمط الاستهلاك العالمي.

الخلاصة: مشهد جديد للطاقة والنقل

في ضوء هذه التحولات، يتضح أن مستقبل النفط لم يعد مضمونًا كما كان في السابق. إذ إن السيارات الكهربائية، بدعم من الحكومات والابتكار الصناعي، أصبحت لاعبًا رئيسيًا يُعيد رسم خريطة الطلب على الطاقة عالميًا. وبينما تمثل هذه التغيرات فرصة للبعض، فإنها قد تكون تحديًا كبيرًا للبعض الآخر.

لكن الأكيد أن العالم يتجه نحو مستقبل تكون فيه الكهرباء هي المحرك الرئيسي للتنقل، وليس الوقود الأحفوري. وهذه الحقيقة الجديدة ستؤثر على السياسات، والاستثمارات، والعلاقات بين الدول، وعلى الطريقة التي نفكر بها في الطاقة والتنقل.

أضف تعليق