تفوق السيارات الكهربائية على الديزل في أوروبا: بداية ثورة النقل المستدام

Photo of author

By Sihem Braiek

بداية حقبة جديدة في سوق السيارات الأوروبي

شهد سوق السيارات في الاتحاد الأوروبي تحولًا تاريخيًا في عام 2025، حيث تجاوزت تسجيلات السيارات الكهربائية نظيرتها من سيارات الديزل لأول مرة في تاريخ القارة. تفوق السيارات الكهربائية على الديزل يعتبر مؤشرًا قويًا على التغير الجذري في تفضيلات المستهلكين الأوروبيين تجاه وسائل النقل المستدامة والاهتمام المتزايد بالبيئة وتقليل الانبعاثات الكربونية. ففي حين كانت سيارات الديزل لعقود طويلة الخيار المفضل في أوروبا بفضل كفاءتها في استهلاك الوقود، إلا أن التطورات التقنية، والدعم الحكومي، والتحولات الاجتماعية، قد أعادت ترتيب الأولويات وجعلت السيارات الكهربائية تتصدر المشهد.

أرقام وإحصاءات تؤكد التفوق

وفقًا لبيانات رسمية من “الرابطة الأوروبية لمصنعي السيارات”، فإن السيارات الكهربائية سجلت في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2025 نسبة 18.2٪ من إجمالي تسجيلات السيارات الجديدة، متجاوزة سيارات الديزل التي سجلت نسبة 16.4٪ فقط. هذا التحول يعد إنجازًا كبيرًا، خاصة عندما نعلم أن حصة سيارات الديزل كانت في يوم من الأيام تمثل أكثر من 50٪ من السوق. وتُظهر الإحصاءات أن المستهلكين باتوا يفضلون السيارات الكهربائية بسبب مزاياها الاقتصادية والبيئية، وكذلك بسبب تحسينات البنية التحتية لشحن البطاريات وتزايد الخيارات المطروحة من مختلف الشركات.

الأسباب الرئيسية وراء هذا التحول

هناك مجموعة من العوامل التي ساهمت في تفوق السيارات الكهربائية على سيارات الديزل في تسجيلات المركبات الجديدة في الاتحاد الأوروبي، ويمكن تلخيصها في ما يلي:

1. الدعم الحكومي والسياسات البيئية

تعمل الحكومات الأوروبية على تشجيع المستهلكين لشراء السيارات الكهربائية من خلال تقديم حوافز مالية مثل الإعفاءات الضريبية، والمساعدات النقدية، وتخفيض رسوم التسجيل. كما بدأت العديد من الدول في تطبيق قيود صارمة على استخدام سيارات الوقود الأحفوري داخل المدن، مما جعل السيارات الكهربائية خيارًا عمليًا أكثر من غيرها.

2. التوسع في بنية الشحن

التوسع في بنية الشحن للسيارات الكهربائية

شهدت القارة الأوروبية توسعًا كبيرًا في البنية التحتية لمحطات شحن السيارات الكهربائية. فشبكات الشحن أصبحت أكثر توفرًا وسرعة، مما بدد المخاوف التقليدية من نفاد الشحن أثناء القيادة. كما أدت الابتكارات في مجال البطاريات إلى زيادة مدى السيارات الكهربائية لتصل في بعض الموديلات إلى أكثر من 500 كيلومتر للشحنة الواحدة.

3. تزايد وعي المستهلكين

أصبح المستهلك الأوروبي أكثر وعيًا بقضايا البيئة والانبعاثات، وهو ما دفعه للابتعاد تدريجيًا عن سيارات الديزل التي ارتبطت بفضائح تلاعب في الانبعاثات، كما حدث في قضية “ديزل غيت” الشهيرة. وبدأ يُنظر إلى السيارات الكهربائية على أنها خيار نظيف وأخلاقي ومواكب للعصر.

4. تنوع الموديلات وتنافس الشركات

أدى دخول عدد كبير من الشركات إلى سوق السيارات الكهربائية، إلى توفير مجموعة واسعة من الخيارات التي تناسب مختلف الاحتياجات والفئات السعرية. لم تعد السيارات الكهربائية حكرًا على شريحة الأغنياء، بل أصبحت متاحة لفئات واسعة من المستهلكين، وهو ما زاد من حجم الطلب.

الدول الرائدة في التحول نحو الكهرباء

تشير الإحصاءات إلى أن الدول الاسكندنافية كانت في طليعة الدول الأوروبية التي شهدت تفوق السيارات الكهربائية على سيارات الديزل. ففي النرويج، تشكل السيارات الكهربائية الآن أكثر من 80٪ من مبيعات السيارات الجديدة، تليها دول مثل السويد وهولندا وألمانيا وفرنسا. أما دول جنوب وشرق أوروبا، فرغم التقدم الذي أحرزته، إلا أنها لا تزال تسير بوتيرة أبطأ بسبب تحديات البنية التحتية والدخل الفردي.

مستقبل سيارات الديزل في أوروبا

رغم أن سيارات الديزل لم تختفِ بالكامل من السوق، إلا أن مستقبلها يبدو غامضًا ومهددًا. فقد أعلنت بعض الدول الأوروبية مثل المملكة المتحدة وألمانيا عن خطط لحظر بيع سيارات الديزل والبنزين بحلول عام 2035 أو حتى قبل ذلك. كما بدأت شركات تصنيع السيارات الكبرى مثل فولكس فاغن وبي إم دبليو في تقليص إنتاج سيارات الديزل لصالح السيارات الكهربائية والهجينة. ويُتوقع أن يتحول استخدام سيارات الديزل مستقبلاً إلى بعض التطبيقات الصناعية أو المناطق النائية فقط.

التحديات التي تواجه السيارات الكهربائية

رغم التفوق الحالي، إلا أن السيارات الكهربائية لا تزال تواجه بعض التحديات، مثل:

  • ارتفاع سعر الشراء الأولي مقارنةً بسيارات الوقود.
  • الاعتماد على مواد نادرة في صناعة البطاريات.
  • اختلاف البنية التحتية بين المدن والريف.
  • القلق من أداء البطاريات في الطقس البارد.

لكن يتوقع الخبراء أن هذه التحديات ستتراجع تدريجيًا مع تقدم التكنولوجيا، وانخفاض تكلفة الإنتاج، وتحسن البنية التحتية.

تأثير هذا التحول على البيئة والاقتصاد

إن تفوق السيارات الكهربائية على سيارات الديزل لا ينعكس فقط على سوق السيارات، بل له آثار إيجابية على البيئة والصحة العامة. فالتحول نحو الكهرباء يعني تقليل الانبعاثات السامة التي تنتجها محركات الديزل، وبالتالي تقليل التلوث الهوائي في المدن. كما أن هذا التحول يفتح آفاقًا جديدة للوظائف في قطاعات الطاقة النظيفة، وصناعة البطاريات، وتكنولوجيا الشحن، مما يعزز اقتصاد المستقبل الأخضر في أوروبا.

أوروبا تقود العالم في ثورة النقل المستدام

بتفوق السيارات الكهربائية على سيارات الديزل، تكون أوروبا قد أطلقت إشارة البدء الحقيقية لثورة النقل المستدام على مستوى العالم، معلنةً نهاية تدريجية لعصر الاعتماد على الوقود الأحفوري. هذا الإنجاز لا يُعد مجرد تغير في الأرقام أو الحصص السوقية، بل يمثل نقلة نوعية في المفاهيم الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. أوروبا، التي طالما كانت رائدة في تبني السياسات البيئية الصارمة، باتت اليوم مثالاً يُحتذى به في كيفية الانتقال الذكي والمدروس نحو أنظمة نقل نظيفة وفعالة. فقد وضعت الدول الأوروبية مجموعة من الأهداف الطموحة ضمن استراتيجيات الحياد الكربوني، تشمل تقليص انبعاثات قطاع النقل بنسبة تفوق 90٪ بحلول عام 2050، وهو ما يستلزم تسريع وتيرة تبني المركبات الكهربائية.

التفوق التاريخي للسيارات الكهربائية على سيارات الديزل في تسجيلات المركبات الجديدة في الاتحاد الأوروبي يمثل تحولًا استراتيجيًا يعكس تغييرات جذرية في السياسات، والتكنولوجيا، وسلوك المستهلك. ورغم التحديات، فإن هذا التحول يُعد مؤشرًا قويًا على اقتراب نهاية عصر الوقود الأحفوري في قطاع النقل، وبداية عصر جديد تسوده الكهرباء والنقل النظيف. ويبدو أن الطريق بات ممهَّدًا أمام السيارات الكهربائية لتصبح المعيار الجديد في أوروبا والعالم.

أضف تعليق