مبيعات السيارات الكهربائية تتجاوز 17 مليون سيارة في عام 2024

Photo of author

By Sihem Braiek

شهد عام 2024 حدثًا تاريخيًا في قطاع السيارات، حيث تجاوزت المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية حاجز 17 مليون وحدة لأول مرة، وهو ما يمثل زيادة ملحوظة مقارنةً بالأعوام السابقة، ويؤكد أن العالم يتجه بخطى متسارعة نحو اعتماد السيارات الكهربائية كخيار رئيسي للتنقل المستدام. هذا الإنجاز لا يُعد فقط رقمًا قياسيًا في حد ذاته، بل يعكس تحولًا جوهريًا في توجهات المستهلكين، واستراتيجيات الشركات، وسياسات الدول نحو بيئة أنظف واقتصاد أخضر أكثر كفاءة.

نمو غير مسبوق: ما وراء الرقم

بحسب التقارير الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية، فإن مبيعات السيارات الكهربائية شهدت قفزة نوعية خلال العام 2024، إذ ارتفعت بنسبة تجاوزت 20٪ مقارنةً بعام 2023. وقد شكّلت السيارات الكهربائية أكثر من 25٪ من إجمالي مبيعات السيارات الجديدة عالميًا، وهو رقم لم يكن من الممكن تصوره قبل سنوات قليلة فقط.

تُعزى هذه القفزة إلى عدة عوامل، أبرزها:

  • الدعم الحكومي المستمر، من خلال الإعفاءات الضريبية، والحوافز النقدية، وسياسات الإحلال.
  • توسّع البنية التحتية لمحطات الشحن، مما عزز ثقة المستهلكين وسهّل استخدام السيارات الكهربائية.
  • تحسّن تكنولوجيا البطاريات، وانخفاض تكلفة الإنتاج، ما جعل السيارات الكهربائية أكثر تنافسية من حيث السعر والأداء.
  • ارتفاع أسعار الوقود التقليدي، مما دفع المستهلكين للبحث عن بدائل اقتصادية ومستدامة.

الدول الرائدة في المبيعات

تطور المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية

لا تزال جمهورية الصين الشعبية تحتفظ بصدارة السوق العالمي للسيارات الكهربائية دون منازع، حيث تجاوزت مبيعاتها خلال عام 2024 حاجز 10 ملايين سيارة كهربائية، وهو ما يمثل أكثر من 60٪ من إجمالي المبيعات العالمية. هذا التفوق الصيني لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة استراتيجية وطنية طويلة الأمد تتبناها بكين منذ أكثر من عقد، تشمل دعمًا حكوميًا هائلًا، وتطويرًا محليًا لسلاسل الإمداد، واستثمارًا ضخمًا في البنية التحتية لمحطات الشحن، بالإضافة إلى تشجيع المستهلكين من خلال حوافز ضريبية وإعفاءات من رسوم التسجيل. كما ساعد انتشار شركات محلية قوية مثل BYD، وNIO، وXPeng في تقديم سيارات كهربائية بأسعار معقولة، وأداء متطور ينافس أفضل العلامات العالمية، ما جعل السوق الصيني بيئة مثالية لنمو هذا القطاع بوتيرة سريعة.

أما في القارة الأوروبية، فقد واصلت السوق تسجيل أداء قوي خلال عام 2024، حيث مثلت السيارات الكهربائية أكثر من 30٪ من إجمالي السيارات الجديدة المُباعة في بعض الدول، لا سيما في ألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وهولندا، والدول الاسكندنافية. وتُعزى هذه الزيادة إلى السياسات البيئية الصارمة للاتحاد الأوروبي، التي تفرض على شركات السيارات تقليل الانبعاثات، بالإضافة إلى التشريعات التي تمنع بيع السيارات العاملة بمحركات الاحتراق الداخلي اعتبارًا من عام 2035 في معظم الدول الأوروبية. كما ساهمت المبادرات الوطنية مثل توفير نقاط شحن مجانية أو مدعومة، وتقديم خصومات مغرية لشراء سيارات كهربائية، في تسريع عملية التحول نحو المركبات عديمة الانبعاثات. وقد بدأت شركات أوروبية كبرى مثل مرسيدس، وبي إم دبليو، وفولكسفاجن، وستيلانتيس بإطلاق طرازات كهربائية منافسة بقوة في الأسواق.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، شهد السوق تحولًا مهمًا خلال عام 2024، مع ارتفاع واضح في الطلب على السيارات الكهربائية، مدفوعًا بسياسات إدارة بايدن التي ضاعفت من الاستثمارات في البنية التحتية للشحن، وقدمت إعفاءات ضريبية سخية للمشترين. إلا أن النمو في السوق الأمريكي جاء مصحوبًا بتغيرات ديناميكية داخل القطاع، حيث سجّلت بعض الشركات الكبرى مثل تسلا تراجعًا نسبيًا في حصتها السوقية مقارنة بالأعوام الماضية، وذلك لصالح دخول منافسين جدد من شركات أمريكية وأجنبية طرحت نماذج كهربائية بأسعار تنافسية، وخيارات متنوعة تُلائم مختلف شرائح المستهلكين. كما بدأت شركات أمريكية تقليدية مثل جنرال موتورز وفورد بتوسيع حضورها في سوق المركبات الكهربائية، مما أسهم في تنويع العرض وتعزيز المنافسة.

أما في ما يخص الأسواق الناشئة، مثل الهند، والبرازيل، وجنوب أفريقيا، والمكسيك، وإندونيسيا، فقد بدأت تشهد هي الأخرى نموًا تدريجيًا ولكنه واعد في تبني السيارات الكهربائية. ففي الهند، على سبيل المثال، أطلقت الحكومة مبادرات تحفيزية لإنتاج السيارات الكهربائية محليًا، بالإضافة إلى استثمارات ضخمة في إنشاء محطات شحن، وذلك ضمن رؤية البلاد لتقليل الاعتماد على النفط المستورد، وتحقيق أهداف المناخ. وفي البرازيل، بدأت المدن الكبرى مثل ساو باولو وريو دي جانيرو تشهد دخول أعداد متزايدة من السيارات الكهربائية، بفضل الشراكات بين القطاعين العام والخاص. أما في جنوب أفريقيا، فقد أدركت الحكومة ضرورة تنويع قطاع النقل، وبدأت تدعم استيراد السيارات الكهربائية، في ظل خطط طموحة لتحويل البلاد إلى مركز إقليمي لتجميع وتوزيع هذه المركبات في القارة الأفريقية.

تغير في موازين الصناعة

لم يعد التحول نحو السيارات الكهربائية مقتصرًا على الشركات الناشئة، بل أصبح اليوم واقعًا مفروضًا على عمالقة صناعة السيارات. فقد أعلنت معظم الشركات الكبرى مثل تويوتا، مرسيدس، فورد، وهيونداي عن خطط طموحة لإطلاق مجموعة واسعة من السيارات الكهربائية خلال السنوات القادمة، مع تحديد تواريخ مستقبلية لإيقاف إنتاج السيارات التي تعمل بالوقود التقليدي.

وفي خطوة لافتة، تستثمر الشركات مليارات الدولارات في تطوير مصانع خاصة للسيارات الكهربائية، وإعادة تدريب القوى العاملة، وتحديث سلاسل الإمداد لتتناسب مع المتطلبات الجديدة.

تحديات لا تزال قائمة

رغم هذا التقدم الملحوظ، فإن سوق السيارات الكهربائية لا يزال يواجه بعض التحديات الجوهرية، من بينها:

  • تكلفة الشراء الأولية، والتي لا تزال مرتفعة نسبيًا مقارنةً بالسيارات التقليدية، خصوصًا في الأسواق الناشئة.
  • قلة محطات الشحن في بعض المناطق الريفية والنائية، مما يحدّ من انتشار هذه السيارات في كل الأماكن.
  • القلق بشأن عمر البطارية وأدائها في الظروف القاسية، مثل الطقس البارد أو الحار جدًا.
  • المخاوف البيئية المرتبطة بتصنيع البطاريات، مثل استهلاك الموارد النادرة وإدارة النفايات.

ومع ذلك، فإن هذه التحديات تعتبر طبيعية في مسيرة أي تقنية ناشئة، وهناك جهود متسارعة لمعالجتها سواء على المستوى التقني أو التنظيمي.

هل سنشهد نهاية السيارات التقليدية قريبًا؟

إن تجاوز مبيعات السيارات الكهربائية حاجز 17 مليون وحدة في عام 2024 هو إشارة واضحة إلى أن مستقبل التنقل يتحرك بسرعة بعيدًا عن الوقود الأحفوري. ومع توقعات بعض المحللين بوصول المبيعات إلى أكثر من 25 مليون وحدة بحلول عام 2026، يصبح من المرجح جدًا أن نرى السيارات الكهربائية تهيمن على الأسواق خلال العقد القادم.

لكن لا يعني ذلك نهاية فورية للسيارات التقليدية، فهناك مناطق لا تزال تعتمد على الوقود بسبب ضعف البنية التحتية أو ارتفاع كلفة السيارات الكهربائية. إلا أن المؤشرات العالمية تُجمع على أن اللحظة التي ستتجاوز فيها السيارات الكهربائية مبيعات نظيراتها التقليدية باتت قريبة جدًا.

لقد أصبح من الواضح أن السيارات الكهربائية لم تعد مجرد اتجاه مؤقت أو رفاهية بيئية، بل أصبحت خيارًا عمليًا ومنطقيًا من حيث التكلفة والكفاءة والراحة. إن تجاوز مبيعات هذه السيارات لـ 17 مليون وحدة في عام واحد هو دليل حي على دخولنا مرحلة جديدة من الثورة الصناعية الرابعة، حيث يلتقي الابتكار بالتنمية المستدامة في طريق واحد نحو المستقبل.

مع استمرار تطور التكنولوجيا، وتحسّن البنية التحتية، وزيادة الوعي البيئي، فإن السيارات الكهربائية لن تكون فقط جزءًا من المشهد، بل ستكون الركيزة الأساسية للتنقل الحديث في العقود المقبلة.

🔹 تابع صفحتنا لتفهم كيف تغير السيارات الكهربائية العالم، على الرابط التالي https://electricarab.com/

أضف تعليق