انتعاش مبيعات السيارات الكهربائية في أوروبا,تحليل شامل للمستقبل والتحديات

Photo of author

By Sihem Braiek

في السنوات الأخيرة، شهد سوق السيارات الكهربائية في أوروبا تطورًا لافتًا، بعد فترة من التباطؤ نتيجة عوامل اقتصادية وتقنية وتنظيمية. ومع بداية عام 2025، بدأت ملامح التعافي تظهر بشكل واضح، مدفوعة بمزيج من السياسات الحكومية الداعمة، وتطور تقنيات البطاريات، وتغير سلوك المستهلكين نحو خيارات النقل المستدام. لكن السؤال الأهم يبقى: هل انتعاش مبيعات السيارات الكهربائية في اوروبا مستدام؟ وإلى متى يمكن أن يستمر؟

ملامح التعافي: مؤشرات قوية على الانتعاش

بدأت بوادر الانتعاش في مبيعات السيارات الكهربائية تظهر أواخر عام 2024، حيث سجلت الأسواق الأوروبية نموًا ملحوظًا تجاوز في بعض الأحيان نسبة 25٪ مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق. وأبرز الدول التي قادت هذا التعافي كانت ألمانيا، وفرنسا، وهولندا، والسويد.

هذا الانتعاش لم يأتِ من فراغ، بل كان نتيجة لمجموعة من العوامل المتداخلة:

  • عودة الثقة إلى الأسواق بعد مرحلة من القلق نتيجة التضخم وارتفاع أسعار الفائدة.
  • تحسين البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية، لا سيما في المناطق الحضرية والضواحي.
  • زيادة عدد الطرازات الكهربائية المتاحة بأسعار منافسة، وتنوعها لتشمل السيارات الصغيرة والعائلية والفاخرة.
  • الحوافز الحكومية المتجددة التي تشمل الإعفاءات الضريبية والمنح المالية عند الشراء.

السياسات الأوروبية: محفز رئيسي للتوسع

انتعاش مبيعات السيارات الكهربائية في أوروبا

لا يمكن فهم تعافي مبيعات السيارات الكهربائية في أوروبا دون التطرق إلى السياسات البيئية والاقتصادية التي تتبناها المفوضية الأوروبية. فالاتحاد الأوروبي وضع أهدافًا صارمة لخفض انبعاثات الكربون، وفرض قيودًا تدريجية على بيع السيارات العاملة بمحركات الاحتراق الداخلي.

وتعهدت دول عدة بإنهاء بيع السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل بحلول عام 2035، مما يشكل قوة دفع هائلة نحو تبني المركبات الكهربائية. إضافة إلى ذلك، تقدم دول مثل النرويج حوافز استثنائية تشمل الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة ورسوم الطرق ومواقف السيارات.

التحديات التي قد تهدد استمرار التعافي

رغم التفاؤل، فإن الطريق نحو استدامة هذا النمو ليس خاليًا من التحديات، وأبرزها:

1. ارتفاع أسعار المواد الخام

تصنيع البطاريات يتطلب معادن نادرة مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل، وأسعار هذه المواد تشهد تقلبات حادة نتيجة الطلب العالمي المتزايد. أي اضطراب في سلسلة التوريد قد يرفع من تكلفة الإنتاج ويؤثر على أسعار السيارات الكهربائية.

2. البنية التحتية للشحن لا تزال غير متكاملة

رغم التحسن الملحوظ، لا تزال العديد من المناطق الأوروبية، خاصةً الريفية منها، تعاني من نقص في محطات الشحن السريع، ما قد يُثني المستهلكين عن شراء سيارة كهربائية، خصوصًا من لا يملكون مرآبًا خاصًا في المنزل.

3. بطء تبني الشركات المصنعة الكبرى

بعض شركات السيارات التقليدية لم تُسرّع بشكل كافٍ من تحولها نحو الإنتاج الكامل للسيارات الكهربائية، وقد يؤخر ذلك وصول طرازات جديدة تنافسية تُلبّي احتياجات شرائح واسعة من السوق.

4. مقاومة المستهلكين في بعض الأسواق

رغم القبول المتزايد للسيارات الكهربائية، لا تزال هناك مقاومة في بعض الدول لأسباب تتعلق بالثقافة أو التفضيلات أو نقص الوعي. بالإضافة إلى ذلك، يخشى البعض من انخفاض قيمة السيارات الكهربائية المستعملة بسبب التقدم السريع في تكنولوجيا البطاريات.

العوامل التي قد تدعم استمرار النمو

1. الابتكار التكنولوجي

تُعد تكنولوجيا البطاريات هي المحرك الرئيسي لمستقبل السيارات الكهربائية، وقد شهدت مؤخرًا تطورًا كبيرًا من حيث الكثافة الطاقية وسرعة الشحن وطول العمر الافتراضي. شركات مثل CATL وBYD وTesla تواصل ضخ استثمارات ضخمة في هذا المجال.

2. النمو في سوق السيارات الكهربائية المستعملة

مع مرور الوقت، بدأ يتشكل سوق للسيارات الكهربائية المستعملة، ما يجعل هذه التقنية في متناول شرائح جديدة من المستهلكين، خاصة الشباب وأصحاب الدخل المتوسط. هذا التوسع في السوق الثانوي يُعزز الطلب ويقلل الفجوة بين العرض والطلب.

3. الوعي البيئي المتزايد

أصبح المستهلك الأوروبي أكثر وعيًا بالتغير المناخي ودوره الفردي في الحد من الانبعاثات. هذا التحول في الثقافة الاستهلاكية يُمثل قوة دافعة لا يُستهان بها، حيث أصبح يُنظر إلى السيارة الكهربائية ليس فقط كوسيلة نقل بل كموقف أخلاقي من البيئة.

التوقعات: إلى أين تتجه الأمور؟

بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن تمثل السيارات الكهربائية أكثر من 50٪ من مبيعات السيارات الجديدة في أوروبا بحلول عام 2030. أما على المدى القصير، فإن عامي 2025 و2026 سيكونان حاسمين في تحديد ما إذا كان هذا النمو سيستمر بوتيرة مستقرة أم سيتعرض لركود آخر.

تعتمد استدامة التعافي على ثلاثة عناصر رئيسية:

  1. قدرة الحكومات على الحفاظ على الدعم دون إنهاك الميزانيات العامة.
  2. سرعة استجابة الشركات المصنعة وتحولها الكامل نحو الكهربة.
  3. توفير حلول بنية تحتية مبتكرة وسريعة لتلبية الطلب المتزايد.

هل الاستدامة ممكنة؟

نعم، لكن بشرط. تعافي مبيعات السيارات الكهربائية في أوروبا ليس صدفة، بل نتيجة عمل منسق بين القطاعين العام والخاص. إلا أن الحفاظ على هذا الزخم يتطلب استمرار الاستثمارات، وتوسيع شبكة الشحن، وخفض أسعار السيارات، وتعزيز ثقة المستهلكين.

إذا استمرت هذه الجهود وتجنبت أوروبا الوقوع في فخ “التشبع المبكر” أو “الركود التنظيمي”، فإن مستقبل السيارات الكهربائية يبدو واعدًا، وقد يشكل العمود الفقري لمشهد النقل الأوروبي في العقود القادمة.

أضف تعليق