في ظل التحول العالمي نحو السيارات الكهربائية، يزداد الحديث عن الفوائد البيئية والتكنولوجية لهذه المركبات الحديثة. ومع تزايد اعتمادها على الأنظمة الرقمية والشبكات اللاسلكية، بدأت المخاوف تلوح في الأفق حول مسألة الأمان السيبراني. هل أصبحت السيارات الكهربائية عرضة للتجسس الإلكتروني ؟ هل يمكن اختراقها عن بُعد؟ وهل تشكل بياناتها الشخصية خطرًا على خصوصية المستخدمين؟ هذا المقال يقدم نظرة شاملة وعميقة حول هذه التساؤلات، ويكشف عن نقاط الضعف الأمنية في السيارات الكهربائية، ومدى استعداد الشركات المصنعة لمواجهة تهديدات العصر الرقمي.
تطور السيارات الكهربائية وتزايد ارتباطها بالإنترنت
السيارات الكهربائية الحديثة تعتمد على البرمجيات الذكية أكثر من أي وقت مضى. تتصل أغلب هذه السيارات بخوادم سحابية لتحديث الخرائط، والتحكم في البرامج، وتقديم معلومات القيادة والصيانة، بل إن بعضها يتيح التشغيل أو القفل عن بعد باستخدام الهاتف الذكي. كما تحتوي على أنظمة GPS، وحساسات متعددة، وميكروفونات وكاميرات لتقديم تجربة قيادة آلية ومريحة. هذا الكم الهائل من البيانات يجعلها مصدرًا جذابًا للمخترقين، تمامًا كما هو الحال مع الهواتف الذكية أو الحواسيب.
كيف يمكن للهاكرز استغلال السيارات الكهربائية؟

هناك طرق عديدة يمكن للمخترقين من خلالها استغلال السيارات الكهربائية، منها:
- الهجوم عبر الشبكة اللاسلكية (Wi-Fi أو Bluetooth): حيث يمكن استغلال الثغرات الأمنية في الاتصال اللاسلكي لاختراق السيارة والوصول إلى نظام التحكم.
- التلاعب بنظام التشغيل: بعض السيارات تستخدم أنظمة تشغيل قابلة للتحديث عن بُعد، وفي حال عدم تأمين هذه التحديثات، يمكن للهاكرز حقن برمجيات خبيثة للتحكم بالمركبة.
- التجسس على بيانات المستخدم: تخزن بعض السيارات معلومات حساسة مثل المواقع التي يزورها السائق، بيانات حسابه الشخصي، وحتى سلوك القيادة، ويمكن أن تُسرق هذه البيانات وتُستخدم في أنشطة تجسسية أو إجرامية.
- اختراق التطبيقات المرتبطة بالسيارة: مثل التطبيقات التي تتيح التحكم بالسيارة من خلال الهاتف، حيث يُمكن للهاكرز الوصول إليها في حال ضعف كلمات المرور أو وجود ثغرات برمجية.
حوادث حقيقية تثبت قابلية الاختراق
في السنوات الأخيرة، أظهرت تجارب عديدة إمكانية اختراق السيارات الكهربائية. فقد تمكن باحثون أمنيون من التحكم بسيارات معينة عن بعد، مثل تشغيل المكابح، أو تغيير السرعة، أو حتى تعطيل المحرك أثناء القيادة. وفي بعض الحالات، لم يكن الهاكرز بحاجة إلى وجود فعلي بالقرب من السيارة، بل استخدموا الإنترنت كوسيلة للاختراق من مسافات بعيدة. هذه الحوادث دفعت العديد من الشركات لإعادة تقييم بنيتها الأمنية.
من أين تأتي البيانات؟ وما مدى حساسيتها؟
البيانات التي تجمعها السيارات الكهربائية لا تقتصر على معلومات القيادة فقط، بل تشمل:
- الموقع الجغرافي في الزمن الحقيقي.
- بيانات التسارع والسرعة والسلوك أثناء القيادة.
- الميكروفون الداخلي الذي يمكن أن يسجل المحادثات.
- الكاميرات الأمامية والجانبية التي قد تصور المحيط.
- سجل الاتصالات اللاسلكية مع الأجهزة الأخرى.
هذه البيانات تُخزن أحيانًا في خوادم خارجية أو تُرسل إلى مراكز تحليل البيانات لتحسين أداء السيارة أو تقديم خدمات مخصصة. ولكن في حال اختراق هذه الخوادم، تصبح خصوصية المستخدمين في مهب الريح.
هل تحمي الشركات بيانات سياراتها بشكل كافٍ؟
رغم أن بعض الشركات الكبرى مثل تيسلا، وباي واي دي، ومرسيدس، تستثمر ملايين الدولارات في مجال الأمن السيبراني، إلا أن التطور السريع في تقنيات الاختراق يجعل تأمين السيارات معركة مستمرة. بعض الشركات تُطلق تحديثات دورية لسد الثغرات، والبعض الآخر يُنظم مسابقات للهاكرز الأخلاقيين لاكتشاف نقاط الضعف، ولكن في المقابل، هناك شركات ناشئة أو صغيرة قد تهمل الجانب الأمني، ما يجعل سياراتها أكثر عرضة للهجمات.
التحديات أمام الحكومات والتشريعات
العديد من الدول بدأت بوضع قوانين لتأمين المركبات الذكية، مثل اشتراط بروتوكولات تشفير معينة، أو إلزام الشركات بالإفصاح عن خروقات البيانات. في الاتحاد الأوروبي مثلًا، يخضع قطاع السيارات لقانون “اللائحة العامة لحماية البيانات” (GDPR)، الذي يفرض قيودًا صارمة على كيفية تخزين واستخدام البيانات. ومع ذلك، لا تزال هناك فجوات قانونية، خصوصًا في الدول النامية أو التي لم تُحدث قوانينها بعد لتواكب تطور التقنية.
كيف تحمي نفسك من التجسس والاختراق؟
لحماية نفسك من الاختراقات الإلكترونية في سيارتك الكهربائية، إليك بعض النصائح العملية:
- لا تستخدم كلمات مرور ضعيفة في تطبيقات التحكم.
- حدّث نظام السيارة دائمًا إلى آخر إصدار.
- لا توصل سيارتك بشبكات واي فاي عامة.
- افصل البلوتوث عند عدم الحاجة إليه.
- راقب سجلات السيارة في التطبيقات لمعرفة أي نشاط غير طبيعي.
- استخدم خاصية المصادقة الثنائية إذا كانت متوفرة.
المستقبل: هل يمكن تحقيق أمان سيبراني كامل للسيارات الكهربائية؟
من غير الواقعي أن نتوقع أمانًا بنسبة 100%، فكل نظام رقمي يحتوي على احتمالية للثغرات. لكن يمكن تقليل هذه المخاطر من خلال تطوير بروتوكولات حماية أكثر تطورًا، والتعاون بين الشركات المصنعة وشركات الأمن الرقمي، وفرض قوانين صارمة من قبل الحكومات. أيضًا، يجب أن يكون هناك وعي مجتمعي متزايد حول كيفية استخدام هذه السيارات بطريقة آمنة رقميًا، وعدم اعتبارها فقط وسائل نقل ذكية، بل أدوات رقمية تحتاج إلى الحماية مثل الهواتف والحواسيب.
السيارات الكهربائية، رغم فوائدها البيئية والتكنولوجية، تفتح أبوابًا جديدة أمام التهديدات السيبرانية. ومع ازدياد الاعتماد على البيانات والاتصال بالإنترنت، أصبحت هذه المركبات هدفًا جذابًا للهاكرز. ورغم جهود الشركات والحكومات، لا يزال الطريق طويلًا لضمان أمان كامل. من المهم أن يكون المستهلك واعيًا، وأن يطالب بتوفير حماية رقمية قوية لسياراته، لأن حماية البيانات تعني حماية الخصوصية، والسلامة، وحتى الأرواح.