السيارات الكهربائية تُنعش السوق الأوروبي: تحوّل أم طفرة مؤقتة؟

Photo of author

By Sihem Braiek

في السنوات الأخيرة، أصبحت السيارات الكهربائية عنصرًا محوريًا في تحوّل سوق السيارات العالمي نحو وسائل نقل أكثر استدامة. ورغم حالة عدم اليقين الاقتصادي التي تُخيّم على العالم نتيجة التضخم، الصراعات الجيوسياسية، واضطرابات سلاسل التوريد، تُظهر البيانات أن السيارات الكهربائية تُنعش السوق الأوروبي، يُعزى في جزء كبير منه إلى نمو مبيعات السيارات الكهربائية. في هذا المقال، نستعرض بالتفصيل كيف تُساهم هذه السيارات في دعم السوق الأوروبي، ونناقش التحديات والفرص المرتبطة بها.

نمو قوي في مبيعات السيارات الكهربائية

نمو قوي في مبيعات السيارات الكهربائية

تشير الإحصائيات إلى أن السيارات الكهربائية تكتسب زخمًا متزايدًا في أوروبا، حيث ارتفعت مبيعاتها في مارس 2025 بنسبة تفوق 23.6% مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق. هذا النمو ساهم في دفع إجمالي مبيعات السيارات الأوروبية إلى الارتفاع بنسبة 2.8%، وهو ما يؤكد أن السيارات الكهربائية تُعوّض التراجع الحاصل في مبيعات السيارات التقليدية التي تعمل بالبنزين والديزل.

ويرجع هذا التوجه إلى السياسات الأوروبية الطموحة التي تسعى إلى تقليل انبعاثات الكربون وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، مما شجّع المستهلكين على التحوّل إلى السيارات النظيفة.

تغيّر في سلوك المستهلكين الأوروبيين

أحد العوامل الأساسية التي تفسّر نجاح السيارات الكهربائية في أوروبا هو التغيّر التدريجي في سلوك المستهلك الأوروبي. فهناك وعي متزايد بقضايا البيئة والتغير المناخي، بالإضافة إلى الحوافز المالية التي تقدمها الحكومات مثل الإعفاءات الضريبية، والدعم عند الشراء، وتسهيل عمليات الشحن في المدن.

كما أن السيارات الكهربائية لم تعد تُعتبر منتجًا فاخرًا أو خاصًا بالنخبة؛ بل أصبحت متاحة بأسعار تنافسية، خصوصًا مع دخول شركات صينية مثل BYD وMG إلى السوق الأوروبية بنماذج كهربائية منخفضة التكلفة، مما يجعلها في متناول شريحة واسعة من المستهلكين.

تحديات لا يمكن تجاهلها

رغم الأرقام الإيجابية، لا يمكن إنكار وجود تحديات كبيرة تواجه سوق السيارات الكهربائية في أوروبا. فعلى سبيل المثال، سجلت ألمانيا – أكبر سوق للسيارات في أوروبا – انخفاضًا حادًا بنسبة 27% في مبيعات السيارات الكهربائية خلال عام 2024، نتيجة تقليص الحوافز الحكومية وزيادة أسعار الكهرباء، مما أثر على ثقة المستهلكين.

كما تواجه شركة تسلا، الرائدة في مجال السيارات الكهربائية، منافسة شديدة في السوق الأوروبي، حيث تراجعت مبيعاتها بنسبة 37% في الربع الأول من عام 2025. ويُعزى ذلك إلى تنامي المنافسة الصينية، وارتفاع التكاليف، وتأخّر عمليات التسليم.

المنافسة الصينية: تهديد أم فرصة؟

مع دخول الشركات الصينية بقوة إلى السوق الأوروبية، بات المشهد أكثر تعقيدًا. فمن ناحية، توفر هذه الشركات سيارات كهربائية بأسعار منخفضة وجودة مقبولة، مما يزيد من جاذبية السيارات الكهربائية بشكل عام ويُعزز من حجم السوق. ومن ناحية أخرى، يشعر المصنعون الأوروبيون بالقلق من خسارة حصتهم السوقية بسبب غياب التكافؤ في شروط المنافسة، لا سيما فيما يتعلق بالدعم الحكومي الكبير الذي تتلقاه الشركات الصينية.

الاتحاد الأوروبي بدأ بالتحقيق في ما إذا كانت هناك ممارسات غير عادلة في تسعير السيارات الكهربائية الصينية، وقد يتخذ قرارات بفرض رسوم جمركية لحماية الصناعة الأوروبية المحلية.

البنية التحتية للشحن: التحدي الأكبر

البنية التحتية للشحن التحدي الأكبر في السوق الاوروبية

لكي تنجح السيارات الكهربائية في الانتشار على نطاق واسع، لا بد من توفر بنية تحتية قوية لشحنها. ورغم الجهود المبذولة، لا تزال هناك فجوات كبيرة في شبكات الشحن في بعض الدول الأوروبية، خصوصًا في المناطق الريفية. ومع ذلك، يتم الاستثمار بقوة في هذا المجال، ومن المتوقع أن تشهد السنوات القليلة القادمة تحسنًا كبيرًا في توافر نقاط الشحن، مما سيُعزز من ثقة المستهلكين في اقتناء السيارات الكهربائية.

التوقعات المستقبلية لسوق السيارات في أوروبا

يتوقع العديد من المحللين أن تستمر مبيعات السيارات الكهربائية في النمو خلال السنوات القادمة. وتشير تقديرات رابطة مصنعي السيارات الأوروبية (ACEA) إلى أن السيارات الكهربائية قد تُشكّل ما يقارب 20% من مبيعات السيارات الجديدة بحلول نهاية عام 2025، مع احتمال ارتفاع هذه النسبة بشكل أكبر بحلول 2030، إذا ما استمرت السياسات الحكومية والحوافز الداعمة.

هذا النمو يُعد عاملًا مهمًا في استقرار سوق السيارات الأوروبية، ويُمكن أن يُساهم في تعويض الخسائر التي لحقت بالصناعة نتيجة انخفاض الطلب على السيارات التقليدية.

هل أنقذت السيارات الكهربائية سوق أوروبا؟

من الواضح أن السيارات الكهربائية أصبحت ركيزة أساسية في دعم واستقرار سوق السيارات الأوروبي في ظل التحديات الاقتصادية العالمية. وبينما لا تخلو هذه السوق من التحديات، فإن التوجه العام نحو السيارات النظيفة يبدو أنه لا رجعة فيه. الشركات المصنعة، والحكومات، والمستهلكون – جميعهم يشتركون في تشكيل مستقبل جديد لقطاع النقل، تكون فيه السيارات الكهربائية اللاعب الأبرز.

يبقى السؤال: هل سيستمر هذا النمو مع اشتداد المنافسة وارتفاع تكاليف الإنتاج؟ الجواب يرتبط بقدرة أوروبا على التكيف، والابتكار، وتوسيع البنية التحتية بما يكفي لمواكبة هذا التحوّل التاريخي في عالم السيارات.

أضف تعليق